رئيس التحرير
عصام كامل

الاستقرار ذريعة للإبقاء على البطلان القانونى


طرة من أصحاب الرأى الغريض من الذين نالوا مكافأة التخلى عن الضمير العلمى منصبا أو مكانة، وكانت وظيفة أستاذ جامعى لا تكفى لإشباع نهم لا يرضى (بضم الياء) فيرضى ( بفتحها)، قرروا تزييف أبسط مبادئ القانون العلمية التى نقوم بتدريسها لطلاب الحقوق منذ السنة الأولى حتى تساند أوضاعا مقيتة وباطلة قانونا وغير مقبولة سياسيا. فوجدناهم يرددون الفتاوى المغرضة وكان علم القانون لم يعد علما وإنما صار وجهة نظر حزبية ومحض نقاش سفسطائى حول مصالح حزبية للأهل أو للعشيرة أو للخاصة. وأشفق أن أرصد فى مصر الآن أن صوت علم القانون أخرسه الوهن وأسكته دوى الغوغاء وعنف الدهماء، فتحول من الرأى الغريض إلى الفكر المريض وافتقر إلى الموضوعية والعلمية والسداد.


ومن الأقوال الشائعة التى كانت تتردد بجهل إلى وقت قريب أنه يكفى أن نحيل للاستفتاء أى عمل قانونى باطل فيطهره الاستفتاء من البطلان. هذا لا يعدو أن يكون بلها لا علاقة له البتة بعلم القانون، لأن سلامة الإجراء ودستورية التشريع وصحة القرار هم شروط سابقة على الإحالة للاستفتاء. لا يجوز عرض عمل باطل قانونا على الاستفتاء ولا يجوز أيضا إحالة قانون غير دستورى على الاستفتاء. وفى النهاية فإن كل قرار لا يتفق مع صحيح نص القانون لا يجوز عرضه على الاستفتاء. إن الآراء التى نادى بها البعض لترقيع بطلان أو إحياء معدوم هى من الشذوذ إلى درجة أنه يمكن أن نقارنها بالزعم القائل بوجوب عرض أى عمل إجرامى أو مخالف للقانون، سرقة، قتل، اغتصاب، نصب، احتيال، على الاستفتاء لتحليلها أو لإضفاء الشرعية عليها. الإجراء غير الدستورى لا يصححه الاستفتاء كما أن الجريمة لا تستحيل عملا مشروعا بالاستفتاء. أوجه المخالفة الجنائية والإدارية ليست أعلى ولا أسمى من أوجه المخالفة الدستورية. وتبعا فإذا كان الحظر القانونى والتشريعى أو الجنائى لا يطهره استفتاء فإن الحظر الدستورى والقضائى لا يطهره استفتاء أيضا.
ولماذا لم يفكر أولا من يريدون تحصين العمل القانونى غير المشروع فى الالتزام بقواعد المشروعية بدلا من محاولات الالتفاف عليها وبذل كل هذا المال والجهد فضلا عن الانقسام الشعبى والعنف لإنقاذ عمل فاسد ومعدوم قانونا؟ ولا يلومن إلا نفسه من أصر بغباء وجهل على قاعدة الثلث والثلثين فى قانون انتخاب مجلس الشورى، وهو ما سيؤدى حتما إلى إبطال تكوينه لأنه انتخب بناء على تشريع غير دستورى وهذا البطلان واجب حتى بمعيار الدستور الجديد - لو فرضنا أن الجهل يصل بالبعض إلى المطالبة بتطبيقه بأثر رجعى.
لأن الجديد يسمح للمستقلين بالمنافسة على كل المقاعد شأنهم شأن الأحزاب وهو ما لا يبيحه قانون الانتخابات البرلمانية المطعون فيه. ذلك أنه لا يتيح الفرصة للمستقلين أن ينافسوا الأحزاب على مقاعدهم ٣/٢.
بينما يتيح لقوائم الأحزاب أن تنافس المستقلين على الثلث الباقى. وهنا تكمن عدم الدستورية وانتهاك مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.
إن ما يزعزع الاستقرار السياسي هو الاستمرار بعناد وتنطع فى اتخاذ إجراءات وقرارات غير مشروعة أو غير دستورية. وليس تصحيح القرار أو الغاؤه هو المؤدى إلى عدم الاستقرار بل الإصرار على عدم المشروعية هو ما يؤدى إلى الاضطراب والفوضى. فعدم الأمان القانونى يؤدى حتما إلى عدم الأمان الواقعى والسياسي.

الجريدة الرسمية