رئيس التحرير
عصام كامل

حسن زايد يكتب: الكلمة قبل الأخيرة في معركة الواحات

حسن زايد
حسن زايد

الحادث مفاجئ، وغامض، ومفجع، ومتوتر، ومستمر. والحديث فيه أو الكتابة عنه، في حينه، لم يكن مطلوبًا. حيث ستأتي اللغة إنشائية، متخبطة، غامضة، تزيد وتيرة التوتر، وتعمق الفجيعة، وترفع معدل الإرتباك، دون أن تلمس الحقائق.


وتلك هي الأوقات النموذجية التي يُلتَقطُ فيها طرف الخيط، من جانب المتربصين، ودائمًا هناك متربصون، في ظل عالم، محكوم بالمصالح، والمنافسة. يلتقطون طرف الخيط ؛ كي يعبثون بالعقول، ويُعملون فيها مشارطهم، ويحقنونها بمواد تزييف الوعي والإدراك القائم فيها، واستبداله بوعي وإدراك جديدين، مغايرين، يخدمان أصحاب المصالح.

الحادث مفاجئ، لأنه جاء ليلًا، وجاء مغايرًا للنتائج المتوقعة أو المرجوة أو المحتملة أو المقبولة، وقد طفي على سطح الأحداث، ككرة الثلج، كلما تدحرج، كبر وتضخم، واتسعت أبعاده ومراميه على نحو مرضي. تضخم سرطاني مفزع، يستوجب جراحة عاجلة، ببيان حكومي كاشف لم يصدر.

حادث غامض على نحو عبثي مزعج، لأن الساحة قد تركت بأبعادها لمصادر غامضة، مجهلة، عائمة على امواج متدافعة من الشائعات السوداء والرمادية، موغلة في التجهيل والمبالغة والمزايدة، في طبيعة الحادث، ونتائجه، وحقيقة الأرقام التي يدور حولها، ارتفاعًا أو انخفاضًا. وقد أسهم، على نحو مباشر، وغير مباشر، الصمت الحكومي المريب، في تفاقم الوضع النفسي الجمعي. وأنا لا أفهم التبريرات التي ساقتها الحكومة أو سيقت لها، للتأخر في الإعلان عن الحادث. قد أتفهم أن هناك أبعاد أمنية واجبة المراعاة، ولكن إيجاد آلية للإعلان تراعي هذه الأبعاد، مشكلة الحكومة، وليست مشكلة المجتمع.

حادث مفجع، ليس فقط في عدد من سقط من الشهداء، ولا فقط في الخطأ الذي أفضي إلى هذه النتيجة، ولا في الزعم بوجود خيانة، فكل ذلك وارد. المفجع فيه حقًا، أن المجتمع المصري، لم يدخل بعد إلى حالة الحرب التي تعيشها قواته. لم يفرض على نفسه، حالة الطوارئ الواجبة، لا في مجال الإعلام، ولا مجال مواقع التواصل الاجتماعي، ولا على المستوي السياسي الحزبي. ومع تراكم خبرات الحروب، التي يمكن التصرف من خلالها، في مثل هذه الحالات، إلا أننا لم ندخل بعد في هذه الأجواء، على ضرورتها، وأهميتها البالغة، في دعم القوات الأمنية.

وقد ترتب على عدم الدخول في هذه الأجواء، التعامل مع حالات المواجهة مع قوي الإرهاب، باستخفاف، واستهانة، وتقتصر المواجهة الشعبية على الجانب السلبي، حيث الاتهامات التي تطال القوات، والاتهامات التي تطال السياسات، وتنتشر مفردات العجز والفشل والتقصير والخيانة انتشار النار في الهشيم. بل قد يمتد الأمر إلى التشكيك في هذه العمليات، وأنها تمثيليات مدبرة لتمرير سياسات معينة، أو التأكيد على توجهات معينة، أو تغطية على فشل معين. والمتابع لبعض القنوات، ومواقع التواصل الاجتماعي، سيكتشف هذا الأمر بسهولة ويسر، ودون عناء.

في الحروب السابقة كنا نسمع عن وجود جبهتين، جبهة القتال والمواجهة على الحدود، والجبهة الداخلية وتتمثل في بقية المجتمع المصري. وكان يجري خوض المعركة بالجبهتين معًا. أما اليوم، فلم يعد الأمر كذلك، فجبهات القتال لم تعد بالمجابهة، على خطوط قتال واضحة، كما في الشكل التقليدي المعروف، وإنما انتقلت إلى داخل المجتمعات. وتغيرت تبعًا لذلك تكتيكات القتال وفنونه، وأسلحته. وبذا أصبحت المواجهة أصعب وأقسي، وقد تكون عسيرة على الجيوش النظامية، وهذا يستتبع بالضرورة تعبئة قومية على كافة المستويات، والأصعدة، بأكثر مما كان عليه الوضع في الحروب التقليدية.

وهو حادث متوتر بطبيعته، بالإضافة إلى حالة الفوضي المعلوماتية، التي كان للحكومة النصيب الأكبر منها، المتمثل في عجزها الإعلامي عن تغطية الحادث، وعدم القدرة على الوقوف على حقيقة الموقف، مما زاد من حالة الضغط الشعبي العشوائي عليها، وعلي قوات الأمن المتابعة للموقف. وقد استمرت حالة التوتر مع اختفاء أحد أفراد الأمن. والعجز عن تحديد مكانه.

وأري في نهاية المقال التأكيد على عدة نقاط :
ـ ضرورة تهيئة المجتمع للدخول في أجواء حالة الحرب التي تعيشها مصر.
ـ ضرورة يقظة الحكومة، في مجال التغطية الإعلامية للأحداث، بما لا يضر بالنواحي الأمنية.
ـ أن المعركة الأخيرة في الواحات ـ رغم استشهاد عدد كبير من القوات ـ قد نجحت في كشف أحد الأوكار الخطرة،التي كانت تخطط لأعمال إرهابية منتشرة، بطول البلاد وعرضها.
ـ أن من نتائج المعركة أنها كانت ضربة نوعية قاصمة لقوي الإرهاب، عتادًا وأفرادًا.
ـ أن عملية تحرير الأسير، تدل على احترافية فائقة، للقوات المسلحة وقوات الأمن، على نحو يبعث على الاطمئنان، وليس التراخي. وتفادي الغنيمة الإعلامية التي كان سيستغل فيها، على نحو يؤثرسلبًا على الجبهتين، العسكرية والمدنية، في إطار الحروب النفسية.
حــســـــــن زايـــــــــــد
الجريدة الرسمية