رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كل عام وتعويم الجنيه بخير!


يوافق اليوم الثالث من نوفمبر 2017 ذكرى تحرير أو تعويم الجنيه المصري، تلك الذكرى التي مر عليها عام الآن، وهي ذكرى مؤلمة لعموم المصريين، حيث إن ذلك التحرير أو التعويم صاحبه قرارات رفع الدعم عن المحروقات؛ مما أوقع المواطن المصري البسيط في فخ الغلاء الفاحش الذي نشب أنيابه وبدأ في التهامه، وإن كان ذلك القرار أي التعويم عاد بالفائدة على بعض مودعي البنوك، حيث صاحب ذلك رفع سعر الفائدة، كما عاد ذلك الأمر بالخير والسعادة على العاملين بالخارج، حيث إن أموالهم التي يرسلونها تضاعفت قيمتها بعد ذلك التعويم، ووفقا لآخر أرقام معلنة من الحكومة ارتفعت إجمالي تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال شهر أغسطس 2017 بمعدل 40% لتسجل نحو 1.7 مليار دولار (مقابل نحو 1.2 مليار دولار خلال شهر أغسطس 2016).


وقال البنك المركزي إن إجمالي تحويلات المصريين العاملين بالخارج بلغت 16.3 مليار دولار مسجلة زيادة قدرها 2.4 مليار دولار بمعدل 17.3% خلال الفترة نوفمبر 2016 حتى أغسطس 2017 (وهي الفترة التي أعقبت قرار تحرير سعر الصرف) مقارنة بذات الفترة من العام المالي السابق.

نحن لم نعارض قرار التعويم وقتها ولا حتى رفع الدعم؛ لكننا تحفظنا على توقيتهما، بالإضافة إلى عدم وجود خريطة واضحة تحمي محدودي الدخل من غول الأسعار، وعدم وجود آلية مراقبة للأسواق، فاستغل التجار ذلك التعويم وتلك القرارات أسوأ استغلال، فشاهدنا زيادة كبيرة بأسعار معظم السلع، لاسيما الغذائية، كما تسبب القرار في تفاقم أزمة النقص الحاد ببعض السلع وعلى رأسها الأدوية، وصعدت معدلات التضخم في مصر بنسبة كبيرة قبل أن تتراجع إلى 32.9% في سبتمبر من 33.2% في أغسطس، وتسبب قرار تعويم الجنيه في تفاقم معدلات الدين الخارجي الذي قفز الدين إلى 79 مليار دولار في نهاية يونيو الماضي، مقارنة مع 60.2 مليار دولار في سبتمبر 2016 بحسب بيانات البنك المركزي.

لكن خطوة التعويم مع خطوات الإصلاح الاقتصادي لا شك كانت واجبة لكن بعد وضع آلية حماية الفقراء ومحدودي الدخل، المهم أن هذه الخطوة بعيدا عن تلك السلبيات الضخمة على المجتمع كان لها جانبها الإيجابي في منظومة الإصلاح التي فرضها صندوق النقد الدولي مع بعض الخبراء في الاقتصاد المصري، وقد أدى انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار مع رفع أسعار فوائد البنوك على الجنيه إلى هرع حائزو الدولار وبعض العملات الأجنبية لاستبدال الجنيه بها، فتمكنت الحكومة من جذب مليارات الدولارات في عام التعويم الأول، بعد أن كانت تعاني البلاد من نقص شديد في موارد العملات الصعبة.

وقال محافظ البنك المركزي طارق عامر، أن حصيلة التنازل عن الدولار منذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر الماضي، بلغت 80 مليار دولار، موضحا أن تدفقات العملات الصعبة من داخل مصر فقط بلغت نحو 35 مليار دولار منذ قرار التعويم. وتتوزع حصيلة التنازلات ما بين تنازلات عن الدولار من السوق المحلية وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، بالإضافة إلى حصيلة تدفقات نقدية من صناديق استثمارية ومؤسسات مالية عالمية وإقليمية. وبحسب بيانات المركزي، تسبب قرار تحرير سعر الصرف في زيادة احتياطي النقد الأجنبي لأعلى مستوياته منذ 2010، ليتخطى الـ 36.5 مليار دولار في سبتمبر الماضي.

ولكن نعلم جميعا أن ذلك الاحتياطي قد زاد ليس بفعل الإنتاج وزيادة الدخل القومي لكن بفعل القروض التي حصلت عليها مصر من المؤسسات الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي، بجانب استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي، فلا يعبر الاحتياطي عن التقدم الاقتصادي الذي ينعكس على زيادة الدخل القومي، لكن رغم ذلك نستطيع أن نؤكد أنه لولا النظرة الإيجابية للاقتصاد المصري ولمصر بصورة عامة ما غامرت أي مؤسسة عالمية لإقراض مصر أو الاستثمار في ما يخصها، لاسيما وأن تلك المؤسسات كانت ترفض في السابق ضخ قروض لمصر لعدم ثقتها في قدرة الاقتصادي على التعافي..

لكن بالنظرة الإيجابية والإصلاحات الاقتصادية الجادة نجت مصر العام الماضي في طرح سندات في الأسواق الدولية بقيمة 7 مليارات دولار على شريحتين، وهو الطرح الذي شهد إقبالا كبيرا من المستثمرين الأجانب وتم تغطيته أكثر من 3 مرات. 

كما نجحت مصر في توقيع قرض مع صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، وهو القرض الذي تفاوضت عليه كافة الحكومات المتعاقبة على مصر بعد أحداث 25 يناير ولم تنجح الدولة في الحصول عليه إلا بعد تعويم الجنيه وخفض الدعم. 

وحصلت مصر أيضا على دعم من البنك الدولي بعد التعويم بقيمة 3 مليارات دولار، بخلاف 1.5 مليار دولار من بنك التنمية الأفريقي للتنمية لدعم الموازنة و500 مليون دولار أخرى لتنمية الصعيد، وتمويلات من مؤسسات أخرى عديدة.

كما نجحت خطوة تعويم الجنيه أيضا في القضاء على السوق السوداء للعملة بعد أن ظلت تؤرق الحكومة والبنك المركزي لسنوات طويلة، وعاد تدفق الدولار على البنوك مرة أخرى بعد أن ظلت خزائنها من العملات الصعبة خاوية لمدد طويلة. وقد أدي تعويم الجنيه إلى زيادة في حصيلة الصادرات المصرية لدول العالم بعد أن أصبحت السلع المصرية رخيصة بالمقارنة بمثيلاتها في العالم، وبحسب بيانات وزارة الصناعة حققت الصادرات المصرية غير البترولية قفزة كبيرة خلال الـ9 شهور السابقة (يناير- سبتمبر) مسجلة 16 مليار و490 مليون دولار، مقارنة بـ14 مليار و890 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي 2016، بزيادة نسبتها 11%. 

فيما تراجعت الواردات المصرية إلى 39 مليار و880 مليون دولار، مقارنة بـ49 مليار و740 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي، بنسبة تراجع بلغت 20%. وانعكس زيادة الصادرات المصرية وانخفاض الواردات بعد التعويم إلى تحقيق ميزان المدفوعات فائض بلغ 13.7 مليار خلال العام المالي 2016/2017 مقارنة بعجز بلغ 2.8 مليار دولار خلال العام المالي 2014/2015.
Advertisements
الجريدة الرسمية