رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية عن شيخ العرب


عزيزي القارئ وما زال الحديث عن قصص وحكايات الصالحين موصولا، حكاية عن سيدي "أحمد البدوي" أحد الأقطاب الأربعة رضي الله عنه مع والده، عندما بلغ السيد "أحمد البدوي" الرابعة والعشرين من عمره سأله والده قائلا:


"يا بني ألا تريد أن تصل نسبك فتتزوج، فرد عليه قائلا، يا أبتاه إني أرى أنني لم أخلق لهذا إنما أرى أني قد خلقت لعبادة الله تعالى وذكره وتربية أجيال يعز بهم الإسلام، فقال له أبوه: كاشفني يا بني عما في سريرتك، أتريد أن تكون قطب الوقت؟ فأجابه: وما قطب الوقت يا أبتاه؟ فقال له أبوه: هو الرجل الذي هو موضع نظر الله من بين خلقه في وقته وهو الوارث المحمدي الكامل في زمنه كما يقول الصوفية، فرد البدوي قائلا، رحمك الله يا أبتاه لما تقول هذا، فقال أبوه، يا بني لما أراه عليك من حال، إذا دعوناك إلى طعام وجدناك صائما وإذا تحسسناك بالليل وجدناك لله تعالى قائما مصليا وذاكرا، وزهدك في الدنيا وإعراضك عن زينتها ولهوها وحبك للعزلة والخلوة ومخالفة أقرانك في حالهم وكثرة بكائك من خشية الله واشتغالك بقراءة القرآن، وقلة المنام، فأجابه البدوي قائلا، رحمك الله يا أبتاه، أتظن أن مقامات ومنازل القلوب تأتي للعبد على أثر بذل المجهود وكثرة العبادات والأعمال الصالحة، فقال أبوه: نعم يا بني لقول الله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا". 

فقال البدوي، صدقت يا أبتاه ولكني أري أن مقامات ومنازل القلوب تأتي بفضل الله من عين الكرم والجود الإلهي لقوله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"، أي من أعمال الطاعات والعبادات، ثم قال، يا أبتاه، لولا عون من الله للفتى فإن أول ما يقضي عليه اجتهاده، يا أبتاه إن الله تعالى نظر إلى عباده وهم في مكنون علم غيبه من قبل أن يظهرهم فاصطفى بعلمه القديم الإحاطي منهم من اصطفى ونظر إليهم بعين عنايته عز وجل حيث كانوا في مكنون علم غيبه ثم حين أذن لهم بالظهور رزقهم أنوار هدايته حيث قال تعالى: "الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور"، ثم أتم عليهم الفضل بأن أقامهم تحت ولايته حيث قال سبحانه: "وهو يتولى الصالحين"، فقال له أبوه، بوركت يا بني وفقك الله وأعانك على ما أقامك فيه. 

هذا ومن حكايات السيد أحمد البدوي، أنه في أثناء زيارته للإمام أحمد الرفاعي في برزخه بالعراق وجد سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنهما وجدهما في انتظاره واستقباله، فبعد أن سلم عليهما وسلما عليه، قالا له، يا أحمد بأيدينا مفاتيح البلاد والأرض شرقا وغربا فاختر أي البلاد شئت نعطيك مفتاحها، فشكرهما ودعا لهما وقال، ولكني لا آخذ المفتاح إلا من يد الفتاح سبحانه وتعالى.

عزيزي القارئ: السيد أحمد البدوي يصل نسبه الشريف إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو العالم الرباني والقطب الصمداني والعابد الزاهد الورع التقي صاحب الكرامات الباهرة والمناقب الزاهرة وصاحب المدرسة الأحمدية ومؤسس طريقتها، وهو صاحب المناقب العديدة والسيرة الحميدة، وهو صاحب المقام المحمدي والقدم العيسوي، ولد رضي ال عنه بمكة المكرمة من أبوين شريفين ينتميا إلا بيت النبوة، ذلك البيت الطاهر المطهر خيرة وصفوة بني آدم رضي الله عنهم وأرضاهم|، وهم الذين خصهم الله تعالى بالرحمة والبركة حيث قال سبحانه: "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد". 

وهم الذين خصهم الله عز وجل بالطهر والتطهير حيث قال تعالى: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"، وهم الذين جعل الله مودتهم أجرا للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الدنيا وجعلها فرضا على الأمة بأسرها، حيث يقول جل شانه: "قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا"، هذا وعنهم وفي فضل محبتهم قال سيد الآنام عليه الصلاة والسلام : "ألا ومن مات على حب آل محمد مات شهيدا وبشره ملك الموت بالجنة ومات مؤمنا مستكمل الإيمان"، فرضي الله عنهم وأرضاهم ورزقنا محبتهم وجعلنا من أهل مودتهم ونفعنا سبحانه بهم في الدنيا والآخرة، وإلى مقال آخر إن شاء الله وحكاية من حكايات الصالحين.
الجريدة الرسمية