رئيس التحرير
عصام كامل

تهاني الجبالي: أختلف مع السيسي في سياساته الاقتصادية.. لكنه نقطة الأمان لمصر

فيتو


  • هناك سيناريو مُعد لإعادة مصر إلى الملكية برعاية المخابرات البريطانية
  • إنكار الحالة الثورية في يناير 2011 خطأ وإنكار المؤامرة أيضا خطأ
  • لابد أن يكون هناك تطابق في المدد بين البرلمان والرئيس 
  • الشعب المصري "دوخ" نابليون.. ويمهل ولا يهمل
  • السيسي يفتقد لنخبة سياسية وثقافية تؤدي أدوارها وتتحمل مسئولياتها 
  • النخب السياسية الحالية هي الأضعف في تاريخ مصر الحديثة
  • حمدين صباحى ارتكب خطأ تاريخيا إستراتيجيا بتحالفه مع الإخوان 
  • الاختلاف مع عدلي منصور لا يفسد للود معه قضية
  • لم أتوقع موافقة مبارك على ترشيحي للالتحاق بالقضاء
  • لم تربطني أي علاقة بالرئيس مبارك أو قرينته أو أسرته أو النظام بكل أركانه
  • رفضت التصوير مع سوزان احتراما مني لمعارضتي لنظام مبارك
  • توقعت اندلاع ثورة يناير.. ونزلت بنفسي لـ"التحرير" لأرى بعيني ما يحدث في بلدي
  • ٢٥ يناير و٣٠ يونيو موجات ثورية اقتلعتا وجهي نظام مبارك والإخوان
  • الحكومات المتعاقبة بعد الثورة قادت شبكة عنكبوتية لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه 
  • الرئيس ليس مسئولا عن كل ما يحدث حولنا من ثغرات 
  • التعديل الدستورى يجب أن تكون له فلسفة وطنية ويبعد عن "الشخصنة"
  • السيسي يتشابه مع عبد الناصر في حجم التحديات والانتماء للمؤسسة العسكرية
  • رفضت حقيبة "العدالة الانتقالية" وأؤيد أن يصبح "ابن الزبال" قاضيًا
  • الأحزاب حاليًا وهمية وضعيفة والقوي الرأسمالية تهيمن عليها

حوار: محمد زكريا - منى محمود
تصوير: أحمد سليمان

عينت كأول قاضية بالمحكمة الدستورية العليا في مصر عام 2003، هاجمت حكم الإخوان بشدة وخاصة عقب الإعلان الدستوري في 2012، معلنة أن الرئيس المعزول حينها محمد مرسي فقد شرعيته كرئيس للجمهورية، وأن الإعلان الدستوري انقلاب على كل مكتسبات ثورة الخامس والعشرين من يناير، لذا تم استبعادها من منصب نائب رئيس المحكمة الدستورية، أسست حزب التحالف الجمهورى وخاضت الانتخابات البرلمانية الأخيرة لكن لم يوفقها الحظ، موقفها من التيار الدينى ثابت لا يتغير، تنفى أي علاقة لها بنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك أو بأسرته، مشيرة إلى أنها رفضت التصوير مع قرينة الرئيس الأسبق حسنى مبارك احتراما منها لمعارضتها لنظامه في هذا الحين، وأيضا لا تزال قوية الشخصية معروفة على الساحة السياسية، بالرغم من بعدها عن دوائر اتخاذ القرار في الدولة.. إنها المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق التي استضافها صالون "فيتو" لمحاورتها حول قضايا الساعة في مصر.
الجبالى ترى أن السيسي حتى الآن هو نقطة الأمان لمصر، رغم عدم رضاها عن بعض السياسات الاقتصادية التي انتهجها، وترى أن النخب السياسية أصبحت مجرد ديكور، وأنها الأضعف في تاريخ مصر الحديثة، وتؤكد أن إنكار الحالة الثورية في ثورة يناير خطأ وإنكار المؤامرة فيها أيضا خطأ، وترى أن الخطأ الأكبر لنظام مبارك أنه لم يضع حوائط الدفاع أمام الموجة القادمة، وتصور أن الإدارة الأمنية يمكنها أن تحمي الوطن، ولكنها انهارت لأن الموجة الشعبية كانت أعتى فنالت منها ونالت من أركان الدولة، وتكشف عن أن هناك سيناريو مُعد لمصر لإعادتها إلى الملكية برعاية المخابرات البريطانية، وإلى التفاصيل:

*هل كانت هناك أي وساطة لاختيارك للانضمام إلى القضاء؟
عينت في القضاء دون أن أتقدم له، ودون وساطة، كنت أمارس مهنة المحاماة بوجهيها المهني والوطني وبحب، فهي مهنة مشتبكة مع قضايا الوطن والأمة العربية، وكنت نشطة في مهنتي، ولم يكن في ذهني أن أغادرها يوما، والقصة بدأت بعد تعيين المستشار فتحي نجيب رئيسا للمحكمة الدستورية العليا، وهو من حرك المياه الراكدة، لإيمانه بدور المرأة، فعرض ترشيحي على الجمعية العمومية للمحكمة، وكانت هناك ترشيحات أخرى من داخل لجان الدولة، كالدكتور فتحي سرور، بالإضافة إلى نحو ٢٠٠ سيدة من النيابة الإدارية، والمشتغلات بالتدريس الجامعي والمحاماة، والمفاجأة أنه تمت الموافقة على ترشيحي من الجمعية العمومية ورئيس المحكمة، في سرية وبدون أي توصيات، ثم تم العرض على المجلس الأعلي للهيئات القضائية، ووافق الجميع عدا المستشار فتحي خليفة، بعدها تم رفع الأمر للرئيس مبارك للبت في الأمر، وبعد ٣ أسابيع أقر بالموافقة.

*وهل كنت تتوقعين هذه الموافقة؟
كنت أتوقع رفض ترشيحي، حيث كنت ضمن المعارضين السياسيين لنظامي الرئيس السادات والرئيس مبارك، ومواقفي كانت معلنة، ولكن كانت المفاجأة قبوله لترشيحي.

*وما قراءتك لهذه الموافقة غير المتوقعة؟
كان في اختياري للالتحاق بالقضاء نقطة مضيئة للنظام، فقد انتشر الخبر في جميع أنحاء العالم، وكان من ضمن المعلومات التعريفية بي أنني كنت من المعارضة، وهو ما روج صورة إيجابية للنظام، وفي الأخير يحسب للمحكمة الدستورية العليا اختيارها لأشخاص من خارج دائرة النظام، وهذا تأكيد على استقلالها.

*كيف استقبلت تهاني الجبالي الجدل الذي أثير حول اختيارها قاضية دستورية؟
لقد حاورت الجميع، تحدثت مع السياسيين والمسجد والكنيسة والمواقع الإلكترونية والجامعات والتنظيمات الأهلية، حتى إنني لدى نحو ٧٥ ساعة مسجلة صوتا وصورة في هذا الصدد، ووثقت هذا للتاريخ وسوف أهديها لجامعة القاهرة، لتوضع رهن أي باحث راغب في البحث في هذه المرحلة، وربما فهمت بعد انقضاء هذه المرحلة سر اختيار المستشار فتحي نجيب لي وتحمله عبء اختياري أمام القيادة السياسية بصفتي معارضة له، حيث أكد لى أنه يثق في ثقافيا، لأن القرار يحتاج إلى أن يتم تثبيته من خلال حوار مجتمعي، وكان متيقنا من صمودى أمام كل الجدل.

*هل بالفعل كنت معارضة لنظام مبارك؟
بالطبع كنت معارضة له، فهناك الكثير من القضايا المختلف عليها، والتي كانت محل نقاش في المجتمع المصري، خاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري، فالاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعتها مصر في عهد مبارك ومن قبله السادات منذ عام ١٩٧٥ والمرتبطة بإعادة التكيف الهيكلي وخصخصة القطاع العام، وبداية التراجع في الحماية الاجتماعية للطبقة الوسطى، وقوى الإنتاج من العمال والفلاحين، أدت في النهاية لإفراز تركيبة بها مساحة خطيرة من الطبقية، وهذا ميراث ٤٥ عاما، ومرجعيته بالنسبة لي صدور قانون الاستثمار العربي والأجنبي، ومن يراجع هذه المرحلة سيجد أن هناك انقلابا دستوريا ناعما على دستور ١٩٧١، الذي كان اشتراكيا فتحول إلى الرأسمالية، أدى لتغيير شامل في السياسات المطبقة، فأنتجت جمهورية ثانية، ومن يتحدث عن أن سبب أزماتنا الحالية مرتبط بالـ٦٠ عاما الماضية، فإن في حديثه جهلا، لأن عداء هؤلاء لثورة يوليو جعلهم لا يرون حقيقة أن الجمهورية الأولى كانت تختلف اختلافا جذريا في كل شيء عن الجمهورية الثانية التي قامت عليها ثورة ٢٥ يناير.

*هل كانت تربطك علاقة صداقة مع قرينة الرئيس الأسبق سوزان مبارك؟
إطلاقا، لم تكن لدى أي علاقة بالرئيس مبارك أو قرينته أو أسرته أو النظام بكل أركانه، والموقف الوحيد الذي جمعنى بها أنني بعد تعييني في القضاء كانت قرينة الرئيس ترأس المركز القومي للمرأة، وأقامت احتفالية بتعيين المرأة في القضاء، فرفضت الحديث خلال الاحتفالية، ورفضت التصوير مع سوزان مبارك احتراما مني لأنني كنت معارضة لنظام مبارك.

*هل كنت تتوقعين قيام ثورة يناير ضد نظام حسني مبارك؟
نعم كنت أتوقعها، وكنت أرى أن هناك خطرا داهما إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه، وأن هناك حالة ثورية في مصر خلال الخمس سنوات السابقة على الثورة.

*وهل تقدمت لمبارك بالنصح؟
نعم، قام بذلك كل المخلصين، وعلي سبيل المثال أعد الدكتور يحيي الجمل عددا من الرسائل العلنية في الجرائد، لمحاولة إقناع النظام بالإصلاح والتراجع عن بعض السياسات التي أنتجت آثارها خطرًا شديدًا على السلم الاجتماعي، ولكن لم يتنبه أحد للحالة الثورية، وهذا لا ينفي وجود مؤامرة، وللأسف كانت الحياة السياسية المصرية آنذاك قد جرفت ولم يوجد أي كوادر أو قيادات يمكنها تحمل المسئولية، لذا حينما ثار الشعب المصري خرج بلا قيادة و"ركب الموجة" حينها الجماعة الأكثر تنظيما، وأنا أرى أن الخطأ الأكبر لنظام مبارك أنه لم يضع حوائط الدفاع أمام الموجة القادمة، وتصور أن الإدارة الأمنية يمكنها أن تحمي الوطن، ولكنها قد انهارت لأن الموجة الشعبية كانت أعتى فنالت منها ونالت من أركان الدولة.

*وهل توقعت ركوب الإخوان لموجة الثورة وأنت في قلبها؟
نعم، فمن لديه وعي بهذا التنظيم كان سيتوقع ذلك، وكنت مؤمنة أن إنكار الحالة الثورية خطأ، وإنكار المؤامرة أيضا خطأ، وكنت على علم ويقين بخطر الإخوان منذ اللحظة الأولى، وحرصت على أن انزل بنفسي إلى ميدان التحرير وأرى ما يحدث، لأنه من العار أن يروي لي أحد ما يحدث في بلدي، وأجزم أن الإخوان لم تكن تتجاوز نسبتهم ١٥٪‏ من قوة الميدان، لكنهم منظمون ويملكون القيادة والإستراتيجية، وهذا هو الفارق بينها وبين الحلم الثوري الذي كان ورديا.

*ما تقييمك لثورة ٢٥ يناير مع اقتراب الذكرى السابعة لها؟
التغيير الثوري جزء لا يتجزأ من آليات التغيير لدى الشعوب، ومصر قامت بها العديد من الثورات منذ القدم، والشعب المصري "دوخ" نابليون، فهو شعب يمهل ولا يهمل، والموجات الثورية تسلم بعضها البعض، وأنا أعتبر أن ٢٥ يناير موجة أولى، و٣٠ يونيو الموجة الأعظم الثانية، وكلتاهما اقتلعتا وجهي النظام، لأن نظام مبارك كان متعايشا مع تنظيم الإخوان، وكان لديهم صفقة ضمنية برعاية أمريكية، وبالتالي الشعب المصري تخلص من الوجهين، ولكن بقيت الآثار الصعبة الخطيرة، ونحن لا نزال في مرحلة الانتقال.

*ما تقييمك لفترة حكم الرئيس السيسي؟
الرئيس السيسي لم يكن مرشحا للرئاسة، بل استدعاه الشعب المصري باعتباره قائد الجيش، وهو تحمل المسئولية التاريخية في لحظة حرجة، واتخذ القرار الذي حمي فيه الإرادة الشعبية في مواجهة تنظيم الإخوان، وحمى الموجة الثورية في ٣٠ يونيو، وهذا أول ما يجب أن يحسب للرئيس السيسي تاريخيا، ثم فيما بعد، استدعاه الشعب لقيادة مصر، لأنه بالفعل لم يكن هناك أية رموز سياسية تفرض نفسها على الساحة، وأري أنه كانت لديه مهمة أساسية تكمن في تثبيت أركان الدولة المصرية، وقد أداها بنجاح، واستمرار مصر في إطار أنها دولة لم يمسها ما مس الدول الوطنية في الإقليم هذا في حد ذاته إنجاز، كما أن توظيف أمريكا للحالة الثورية في إطار إستراتيجية وتنظيم، اعتمدوه كأداة لها أدى في النهاية إلى اهتزاز الأمة بأكملها، ولكن الشعب المصري وجيشه حماها بخروجه وهذا إنجاز خطير، كما أننا حققنا الاستقلال الوطني الثاني بخروجنا من عبء أن نكون تحت رحمة القرار الأمريكي، وبدأنا في بناء الجيش المصري بتنويع مصادر السلاح وهذه من إنجازات الرئيس السيسي أيضًا.

*ماذا عن الأوضاع الاقتصادية؟
قد لا تكون لدينا حالة رضا تامة عن بعض السياسات التي انتهجها الرئيس السيسي، وأنا شخصيا معترضة على السياسات الاقتصادية، وأعتبر أنه لم تكن هناك عدالة في توزيع الأعباء، وبالتالي السياسات التي تبنتها المجموعات الاقتصادية، وأقنعت بها الرئيس ربما كانت بحاجة إلى مراجعة، وبالرغم من هذا فإن الشعب المصري عبقري، ويعرف تماما كيف يفرز، ولا أحد يمكنه أن "يضحك عليه"، والعمق الشعبي يتجاوز كل هذا بما يملكه من الصفاء التاريخي الذي يوجهه في الاتجاهات الصحيحة، وهذا يجعله قادرًا على تحمل كل الأعباء الخطيرة التي تعرض لها على المستوى الاقتصادي.

*هل كانت هناك اختيارات أخرى لإصلاح الاقتصاد غير تلك التي اتبعتها المجموعة الاقتصادية؟
نعم كانت هناك اختيارات أخرى، وأرى أن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة قادت شبكة عنكبوتية تهدف لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه، وعدم المساس بالأوضاع الداخلية، بدعوى الاستقرار أو استرداد الأمن، بالرغم من أن الأمن والسلم الاجتماعي هو الذي يؤدي إلى ما يصل بنا إلى الأمان المنشود، وأرى أن هناك ثغرة في هذا السياق لا تقلل مما حققه الرئيس السيسي.

*هل تؤيدين تعديل مدة الرئاسة لتكون أكثر من أربع سنوات؟
القضية بالنسبة لي ليست في طول أو قصر المدة، بل يجب أن تكون هناك فلسفة وطنية بدون شخصنة لأي تعديل في الدستور، وأن تكون وراءه مصلحة وطنية، وأرى أنه لابد أن يكون هناك تطابق في المدد بين البرلمان والرئيس، أي أن تكون خمس سنوات، وهذه ملاحظة من ضمن عدة ملاحظات كانت لدى على الدستور.

*وهل أنت مع استمرار الرئيس لفترة رئاسة ثانية؟
أنا أعتبر أن الرئيس السيسي حتى الآن هو نقطة الأمان بصرف النظر عن اختلافنا على بعض سياساته، فهو قيادة آمنة ونظيف اليد واللسان حتى الآن، وليس مسئولا عن كل ما يحدث حولنا من ثغرات، لأنه يفتقد لنخبة سياسية وثقافية تؤدي أدوارها وتتحمل مسئولياتها.

*هل كان حمدين صباحي مناسبا للترشح أمام السيسي؟
حمدين ارتكب خطأ تاريخيا إستراتيجيا بتحالفه مع الإخوان منذ دخوله مجلس الشعب، وقيادته اتجاها في التيار الناصري انساقت فيه مجموعة من القيادات والكوادر المحيطة به لإنتاج ما يسمي بالتحالف بين القوميين والإسلاميين، وهذا الخطأ التاريخي لابد أن يتحمل حمدين صباحي شجاعة مراجعته تاريخيا والاعتذار عنه، لأن المشروع القومي الذي يمثله حمدين بفكره يتعارض بشكل جذري مع مشروع الإخوان.

*كيف ترين أداء النخب السياسية والأحزاب على الساحة حاليا؟
في الحقيقة يحزنني هذا الأداء غير المبدع والمتراجع للنخب السياسية في قدرته على التضحية بالمصالح الضيقة لحساب مصالح الوطن، وأداءها العاجز عن القراءة الرشيدة لأبعاد المخاطر والتحديات، وكيف يمكن مواجهتها، وهو ما أدى إلى أن النخب السياسية أصبحت مجرد ديكور، وأرى أنها أضعف نخبة سياسية في تاريخ مصر الحديثة، وهذا حدث نتيجة مرحلة طويلة من التجريف.

*وماذا عن الأحزاب السياسية؟
الأحزاب وهمية وضعيفة، والقوي الرأسمالية مهيمنة عليها، وتمتلكها وتؤثر في كل شيء وهذا خلل في التركيبة السياسية في مصر.

*ما تقييمك للحقبة الناصرية مع اقتراب مئويتها؟
مئوية الزعيم عبد الناصر ستحل في يناير المقبل، وأعتقد أن هذه مناسبة يجب ألا تتغافلها الدولة، ويجب أن تكون طرفا في تكريم هذه الفترة التاريخية، لأن عبد الناصر أحد أبرز قادة التحرر الوطني، وزعماء التحرر الوطني في العالم مدينون له بالكثير، وبالمناسبة فإن مئوية نيلسون مانديلا ستكون في العام ذاته، وستكون وراءها جنوب أفريقيا بالكامل، فماذا عن مصر وعبد الناصر الذي ألهم مانديلا شخصيا؟، وللأسف نحن حتى الآن لا ندرك قيمة وقدر عبد الناصر الذي يتجاوز مصر إلى الأمة العربية بأكملها، وكذلك العالم أجمع، ومن العار أن نعلم أن دول أمريكا الجنوبية ستحتفي بمئوية عبد الناصر وروسيا ستقيم له تمثالا في قلب موسكو بمناسبة المئوية، وأفريقيا ستحتفي به ثم لا نرى زخما حقيقيا لهذه المئوية في مصر، وعبد الناصر في ذمة الله منذ سنوات لكن لماذا يستعصي على الموت؟ لأن مشروعه هو حلم الأمة العربية لذا فإن أعداءه يخشونه حيا وميتا.

*هل هناك تشابه بين السيسي وعبد الناصر في اعتقادك؟
التشابه بينهما يكمن في حجم التحديات، وأنهما أبناء المؤسسة العسكرية، لكن هناك متغيرات على المستوى الدولي والإقليمي وفي الأبعاد الثقافية بين حقبة حكم كليهما.

*هل عرض عليك أية حقائب وزارية أو مناصب حكومية؟
نعم، عرضت على وزارة العدالة الانتقالية إبان فترة رئاسة المهندس إبراهيم محلب للحكومة، واعتذرت عنها، لأنني أرى أن العدالة الانتقالية في مصر لابد أن يكون عنوانها محاسبة نظامي مبارك والإخوان، وأنا أعتقد أن التوجه العام الذي ساد حينها أن الاستقرار يتجاوز فكرة المحاسبة، ورأيت أن وجودي حرة طليقة كمواطن أفضل.

*هل تؤيدين أن يكون ابن الزبال قاضيا؟
بالطبع، إذا ما تحقق له معيار الكفاءة العلمية والإنسانية، وفى الحقيقة التعامل مع الأمور بمنطق الطبقية أرفضه تماما، لأنه يعصف بالدولة المدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية الجمعية، والقضاء المصري حاليا مدين لثورة يوليو بكل القضاة الموجودين حاليا من أبناء العمال والفلاحين، الذين دخلوا سلك القضاء باجتهادهم.

*ما الأمنية التي تريدين من الرئيس السيسي تحقيقها؟
أتمني من الرئيس السيسي كمواطنة أن يكون لمصر دور في رد الاعتبار للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة، من خلال رئاستها العام الجاري لمجموعة الـ٧٧، التي أصبحت ٩٩ وهي مجموعة عدم الانحياز في الزمن الماضي، فهم حاليًا يحتاجون من يقودهم، ومصر خير من تفعل ذلك بالطبع، للمطالبة بالتوازن الدولي داخل المنظمة نفسها بكل آلياتها وإعادة النظر فيما طرح علينا من سياسات وأن نرتب الأولويات.

*ما طبيعة علاقتك بالمستشار عدلي منصور أثناء رئاسته للمحكمة الدستورية العليا؟
أريد أن أترك تفاصيل هذا الموضوع لمذكراتي، ولكن في المجمل الاختلاف لا يفسد للود قضية.

*وماذا عن علاقتك بالفريق أحمد شفيق؟
ليست لدى علاقة به نهائيا، ولم يكن لدى فرصة لاتخاذ موقف معه أو ضده في الانتخابات، باعتباري قاضيا دستوريا آنذاك.

*ما تقييمك لتجربة خوض معركة الانتخابات البرلمانية على قائمة التحالف الجمهوري؟
أشعر بفخر شديد بهذه التجربة، لأنني انتصرت للفكرة ولم أقف في صف انتظار توزيع النصيب، وهذا التحالف فكر أنه يمكن بتكويناته أن يشكل متغيرًا فعالًا في الحالة السياسية، ويمكن أن يتحول فيما بعد لتنظيم سياسي، لذا فإن هذه المعركة خضناها بصدق بصرف النظر عن الحصار الذي تعرض له التحالف، بسبب الخوف من ألا يكون تحت السيطرة، ولم يتمكن التحالف من دخول البرلمان، وتحملت أنا المخاطرة السياسية عن رضا وقناعة، ورفضت رفضا قاطعا بعد الانتخابات- بالرغم من آلاف التوكيلات- تحويل التحالف إلى حزب، حتى لا يتحول إلى حزب شخص.

*وما رأيك في أداء التحالف في البرلمان؟
أرى أن هناك سيولة سياسية، ولا توجد ملامح أو بلورة للحياة السياسية، وحتى الآن لا توجد أجندة واضحة للإصلاح التشريعي، وأرى أن هناك قوانين كان يجب أن تكون أولويات ولا أحد يذكرها كالمحليات وقانون الأحزاب والتعاونيات.

*ما موقفك من أحكام الإعدام لعناصر جماعة الإخوان الإرهابية؟
دولة القانون هي دولة القانون، ولا يمكن أن نميز بين المواطنين على أي أساس، ومن يرتكب جريمة لابد أن يعاقب، وجرائم الإخوان هذه جنائية، وتُحال إلى محكمة الجنايات، وفيها يكون ضمير القاضى هو الحكم، فالمحاسبة السياسية لم تبدأ بعد.

*كيف ترين الدعوات التي تنادي بإعادة الحقبة الملكية والترويج لها باعتبارها فترة ازدهار لمصر؟
هذا جزء من التزييف التاريخي، وحينما أري على مواقع التواصل الاجتماعي مثل هذا الترويج أحزن على شبابنا الذي لم يعرف كيف عانى العمال والفلاحون والطبقة الوسطى والمرأة في الفترة الملكية، وهناك سيناريو مُعد لمصر لإعادتها إلى الملكية برعاية المخابرات البريطانية، وهناك جزء من الشرائح المغيبة استدرجت إليه، بالرغم من أن الأوضاع في هذه الفترة كانت سيئة للغاية على كل المستويات.

*أخيرًا.. كيف تابعت تهانى الجبالي المتغيرات التي تشهدها المملكة العربية السعودية؟
أتابع بعمق ما تشهده المملكة العربية السعودية، وأرى أنها مضطرة لمواكبة المستجدات بالتغيير الجذري، والمؤشرات الحالية واضحة، حيث إن المملكة في اتجاه للتحول إلى الملكية الدستورية، وإذا استمرت في طريقها الحالي، فإنها تسير في اتجاه الخروج من التشدد، وهي مؤشرات إيجابية وجيدة.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية