رئيس التحرير
عصام كامل

طريقة العرجاء في نقد التاريخ


من العجيب والغريب أن نجد في هذه الأيام أي فرد يدعو لنفسه بأنه مفكر ومؤرخ وينقد في مجال التاريخ وليس عنده أي معرفة بمناهج البحث التاريخي، ولا بالأسس التي على أساسها يكتب التاريخ، نعم الآن لا نجد في مصر أي التزام من بعض الأفراد الذي يمتلكون السرقات العملية ويدعون أنهم مفكرون ولا يدركون أنهم لصوص ليس في مجال التاريخ فقط وإنما في مجالات متعددة، أما في مجال التاريخ نجد خلط من أصوات حنجورية تريد أن تصنع لها تاريخا من لا شيء يخرج من هذه الأصوات تشويه وتجريح سواء للوطن من جهة أو الزعماء الحقيقيين من جهة أخرى.


وفى اعتقادي أن من صنع هؤلاء هو من فتح لهم أبواب الصحافة والبرامج ومن كثرة ثرثرتهم يعتقد البعض من الناس أن كتابات ودعوات هؤلاء في مجال التاريخ كتابات وصيحات حقيقية، لأنهم موضع ثقة من إحدى المنابر الإعلامية، في حين أن ما يقولونه هو مجموعة من المهاترات والاعتقادات الشخصية، وبصورة واضحة الإعلام هو المسئول عن ذلك؛ لأنه يفتقد الرجوع إلى المتخصصين في كل مجال من المجالات ومن بينها التاريخ، ذاكرة الأمة، فيطل علينا من يتحدث في التاريخ دون الالتزام بقواعد البحث التاريخي ونادرا ما يفهمون أي شيء سوى تشويه الحقائق والسرقات العلمية.

ومن ثم تظهر كتابات هؤلاء ونبراتهم ويزعمون أنها كتابات تاريخية وحقيقية وهى ليست من التاريخ في شيء؛ حتى وقع الشباب في حيرة من أمرهم بين الوهم والخيال والحقيقة وتشوية التاريخ، وما يصدر عن هؤلاء مجموعة من الشتائم والمهاترات، ومما يساعد على انتشار هذه الأخطاء في مصر حاليا أننا لا نجد مؤرخين بارزين للخروج والتصدي لهذه الخرافات التاريخية باستثناء أسماء بعينها لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة.

لذا ينبغي على من يكتب أو يؤرخ أو ينقد التاريخ الالتزام بذكر الروايات المتعارضة دون تشيع، فالتركيز على رأى وإهمال بقية الآراء أسلوب ليس له علاقة بمنهج البحث التاريخي، بل يجب على من ينقد التاريخ ويقيمه الإشارة إلى المراجع والمصادر الموثوق بها والبعد عن الذاتية والتزام الموضوعية، بالإضافة إلى الدقة في نقل الفكرة أو المعلومة أو الحدث والالتزام بالشروط الخاصة بالمتواترات، فمن يقرأ للباحثين الغربيين نجدهم يضعون مقاييس واضحة ودقيقة للفصل في كل حدث تاريخي، وما يحدث الآن من أصوات جاهلة لا تلتزم بتلك المعاير والشروط الصارمة بل ينبغي على من ينقد التاريخ أن يكون لديه الحس الفلسفي الشامل والنظرة الفلسفية المتعمقة، بالإضافة إلى أن البحث التاريخي له شروطه ومن يتصدى للتاريخ الآن من النماذج التي تلتزم بالشروط والمعايير، فلا ضمير علمي ولا أخلاق أكاديمية من أمثال هؤلاء، فمن يزعمون انهم مفكرون وناقدين للتاريخ بمثل هذه النماذج إنما كالعرجاء في نقد التاريخ.
الجريدة الرسمية