رئيس التحرير
عصام كامل

باحث أثري يوضح العلاقة بين الديانة الفرعونية والأديان السماوية

فيتو

قال الدكتور حازم الكريتي، الباحث الأثري ومفتش آثار منطقة آثار سقارة: إنه لم يوجد شيء فى بداية حياة الفراعنة سوى الروح الأزلية التى تهيم على المياه الأبدية، والتى تتجسد فى (الواحد القديم) الذى يشتمل على (اللانهاية – العمق العظيم – الظلام الدامس – اللارؤية)، فهو الأصل الأول للوجود ولكل شيء موجود.


وأضاف الكريتي: فى الحقيقة نحن لا نستعرض سوى أسطورة من أساطير الخلق الفرعونية والتى كانت سائدة فى الفلسفة الأشمونية لتفسير الوجود، ولكن الغريب هو تطابقها حرفيا مع ما جاءت به الأديان لاحقا من شروحات لقصة خلق الكون، ففى جزئية (لم يوجد شيء فى البدء سوى الروح الأزلية التى تهيم على المياه الأبدية) نجد أن العهد القديم يقول (وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ) وفى المقابل نجد أن القرآن يقول: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) وهو ما يؤكد عليه الحديث النبوي القائل بـ(روى البخاري عَنْ عمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن نَاسا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ سَألُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالوا: جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: (كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ).

وتابع: أما بالنسبة للنظر إلى خصائص الروح الأبدية نجد أن أولى خواصها هو اللانهاية أو الأزلية وهو ما يتفق مع العهد القديم فى القول بـ"أزلية الإله" كما فى ("مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ الْجِبَالُ، أَوْ أَبْدَأْتَ الأَرْضَ وَالْمَسْكُونَةَ، مُنْذُ الأَزَلِ إِلَى الأَبَدِ أَنْتَ اللهُ" المزامير – ٩٠ : ٢)، ونجد أيضا التأكيد غير المباشر فى سفر التكوين فى الآية الاولى (فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ)، وهو ما يقول إن الإله كان موجودا قبل أن يبدأ فى عملية الخلق وهو ما يقول بالأزلية الإلهية، أما بالنسبه للقرآن فنجد أن الآية 3 من سورة الحديد كانت مباشرة وصريحة حين قالت (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)، أما عن الأحاديث النبوية فالأزلية تظهر فى أكثر من موضع فمنها الحديث المذكور سابقا وبالتحديد الجزئية القائلة بـ(كان الله ولم يكن شيءٌ غيرُهُ) أي أن الله موجودٌ في الأزلِ لا ابتداءَ لوجودِهِ ولم يكن في الأزلِ معه شيءٌ، ويظهر الاعتراف بالأزلية أيضا فى الحديث المروى عن مسلم فى صحيحه والقائل بـ(عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء).

واستطرد: ثم ندخل فى خاصية العمق العظيم والذى يفسر بعمق المعرفه الإلهية والقدرة المطلقة وهو ما يظهر فى العهد القديم فى الآيات التالية (وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا) و (فَقَالَ لأَبْرَامَ: “أعلَمْ يَقِينًا أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ) و (وَمَلأْتُهُ مِنْ رُوحِ اللهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ وَالْ‍مَعْرِفَةِ وَكُلِّ صَنْعَةٍ) و(وَحْيُ الَّذِي يَسْمَعُ أَقْوَالَ اللهِ وَيَعْرِفُ ‍مَعْرِفَةَ الْعَلِيِّ. الَّذِي يَرَى رُؤْيَا الْقَدِيرِ سَاقِطًا وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَيْنَيْنِ)، وهو ما ينطبق مع التأكيد القرآنى المستمر على المعرفة المطلقة للإله والمتمثلة فى ذكر كلمة عليم فى العديد من الآيات القرآنية مثل (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) و(إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) و(إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) و(وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) و(هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وأيضا بذكر بعض الآيات المتعلقة بسعة علم الإله ومعرفته لما لا يعرفه البشر مثل (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) و(يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

ثم تأتى الخاصية الثالثة وهى الظلام الدامس، وهى تفسر أن الروح الأزلية يحيط بها ظلام معتم لا تظهر من خلاله بذاتها ولكنها تظهر بقدراتها، وحينما نقرأ فى العهد القديم نجد أنه أكد على هذا فى أكثر من آية مثل (‮وَقَالَ اللهُ: "لِيَكُنْ نُورٌ"، فَكَانَ نُورٌ) و(وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَارًا، وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلاً) وهو ما يتم تأكيده حين نجد أن الآية الرابعة من الإصحاح الأول فى سفر التكوين تقول (وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا) وهو بداية ذكر الليل والنهار منفصلين ونجد تأكيدا آخر فى رسالة كورنثوس الثانية فى الإصحاح الرابع الآية السادسة (لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ:"أنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ") ونجد أيضا فى سفر المزامير الآية القائلة بـ(لَكَ النَّهَارُ، وَلَكَ أَيْضًا اللَّيْلُ. أَنْتَ هَيَّأْتَ النُّورَ وَالشَّمْسَ)، أما عن القرآن فنجد العديد والعديد من الآيات التى تذكر الليل مقدم على النهار وهو ما أرجعه المفسرون إلى أن الأصل هو الليل مثل (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) و (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) و(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) و(وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) ثم يعترف بها الإله صراحة فى شرح عملية الخلق المذكورة فى سورة النازعات حين يقول (وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا).

ثم نأتى إلى الخاصية الأخيرة من خواص الإله وهى اللارؤية، وهى عدم إمكانية رؤية الإله من قبل البشر مهما كانوا، ففى الإنجيل نجد أن رؤية الإله غير ممكنة تبعا لما قيل فى إنجيل يوحنا 1 : 18 (الله لم يره أحد قط) وأيضا ذكر فى نجيل يوحنا 5 : 37 (والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته) وأيضا يقول بولس الرسول فى الرسالة الأولى لتيموثاوس 6 : 16 عن الله: (الذي لم يره أحد ولا يقدر أن يراه)، أما بالنسبة للقرآن فنجد أن رؤية الإله رؤى العين مستحيله إلا فى حالة واحده فقط وهو يوم الحساب أو يوم القيامة فنجد ذلك مذكورا فى الآية التى تقول (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وأيضا فى الآية التى تحدثت عن ملاقاة موسى لربه والتى تقول (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي).

وفى النهاية، نجد أن صفات الإله وخصائصه المطلقة فى الديانة المصرية القديمة ومقارنتها بصفات الإله وخصائصه فى الديانات السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) متشابهة إلى حد كبير قد يصل إلى حد التطابق وهو ما يقول إن الفكر الدينى على الرغم من اختلاف محتوياته واختلاف منشأه يكون مشتركا فى السمات الأساسية التى تحدد قوامه الداخلى والمعتمد على تبجيل الإله وإعطائه صفات و قدرات خارقة ومطلقة لا يمكن إيجادها بأى حال من الأحول فى العنصر البشرى على اختلاف العصور.

ومن خلال بحثنا هذا يتضح لنا مدى التشابه بين الديانة الفرعونية والديانات السماوية هذا وإن دل فإنه يدل علي أن هناك أنبياء عاشوا في مصر الفرعونية غير نبي الله إبراهيم ويوسف وموسى عليهم السلام لكننا لا نعلم أسماءهم وهذا ما ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم بأن الله قد أرسل لكل أمة في العالم نبيا ورسولا وهذا ما أكده حديث نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بأن هناك أنبياء أرسلهم الله لكنه لم يبلغ أحدا من الأنبياء بأسمائهم وهو ما أكده الله عز وجل في القرآن الكريم: "منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص".
الجريدة الرسمية