رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

زغردي يا أم إسلام.. ابنك بطل!


ما زالت روح أكتوبر تسري فيه سريان الماء في مجري النيل الخالد، وما زالت تعطر لسانه بكلمات الفداء والواجب، وما زالت تملأ قلبه بمعاني الوطن والانتماء له مهما كانت التضحيات..


تفاصيل ما حدث من اللواء "محمد مشهور" أحد أبطال قواتنا المسلحة الذي ظل يعمل معلما لمدة 20 عاما في الكلية الحربية (مصنع الرجال الذين يقبلون على الموت إقبالهم على الحياة) مع ابنه الشهيد "إسلام مشهور" الذي سقط في عملية طريق الواحات يعرفها الجميع، وكلماته التي صارت (أيقونات) للشرف والفداء والانتصار على أصعب وأقسى لحظات ألم الفراق وعذابه على فلذة كبده الذي غاب عن عينيه للأبد!

أبطالنا الشهداء من القوات المسلحة والشرطة يعرفون يقينا أن هذا هو عملهم، وهذا هو طريقهم لكتابة أسمائهم بالدم في سجلات الشرف والفخار، وهذا هو سبيلهم الوحيد لنيل شرف الشهادة في سبيل الله من أجل الوطن.. لهم جميعا منا تعظيم سلام.

لهفة اللواء "محمد مشهور" عندما هرع إلى المستشفي الذي يحتضن جثمان ولده البطل، لم تكن حزنا عليه بقدر ما كانت رغبة طاغية لمعرفة.. كيف سقط البطل شهيدا، وكيف كان حاله في تلك المعركة، وكيف كانت مواجهته للقتلة الإرهابيين؟.. هل سقط وهو يولي الدبر أم سقط وهو يواجه كلاب النار بصدره.. هل فارقت البطل روح الانتماء للوطن التي غرسها فيه؟ هل واجه كما يجب أن تكون المواجهة التي تعلمها منه ومن قادته؟

الأب المكلوم استدعي روح أكتوبر ورباطة جأش الرجال في الملمات، وصمم أن يناظر جسد ولده قبل أن يلفه الكفن.. كشف عنه الغطاء ووجد رصاصات الغدر في صدره.. انكب الأب الشجاع على صدر ولده وقبّل موضع الرصاصة ثم احتضن جسده الطاهر وقبّل رأسه، ولسان حاله يقول.. هكذا يكون الأبطال، وهكذا يموتون.. ثم طلب من ابنه الثاني الرائد طيار أن يطلب والدته على التليفون، وجاء صوتها باكيا ضناها الذي غاب عنها.. وصرخ فيها اللواء مشهور وهو يعلو فوق ألمه وعذابه (ابنك بطل.. بلاش عياط.. ابنك مات راجل وواقف على رجله.. الرصاص في صدره مش في ظهره.. زي ما روجوا الكلاب.. زغرتي يا أم إسلام.. ابنك النهار ده عريس وأنا جاي نزفه للسماء).

يا قوة الله.. من أين يأتي أهالي الشهداء بكل هذه القوة، وهم يشيعون أبناءهم ورجالهم إلى مثواهم الأخير.. ومن أين يأتون بكل هذا الصبر والتماسك، وهم يودعون أعز وأحب ما لديهم في الحياة، ومن أين يجلبون لأنفسهم هذه السكينة وهم يتلقون قدر الله فيهم؟ كيف يجدون هذه الكلمات وتلك المعاني التي يعجز عن قولها جهابذة علوم الكلام ويعجز عن وصفها فطاحل الشعراء والأدباء؟ كيف تأتيهم القدرة على النطق بكلمات هي أقوي من طلقات الرصاص في صدور كلاب النار، وأمضي من حد السيف على رقابهم التي تستأهل القطع!

كلمات أهالي الشهداء من الرجال والنساء.. من الآباء والأمهات.. من الزوجات والأخوة والأخوات هي رسائل لو فهمتها الفئة الضالة لتوقفت قلوبهم عن الخفقان، ولتجمدت دماء الخيانة في عروقهم وفارقوا الحياة.. ولعرفوا أن سعيهم شتي، وأنهم من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا.. ولتوقفوا لحظة ليتأملوا حال الشهداء وهم فرحون بنيل الشهادة، والإصرار على دعوة بعضهم البعض للالتحاق بحفل السماء، ولتأملوا أيضا حال أهالي الشهداء الذين يقبلون قضاء الله وقدره بالرضا الكامل، ولأصابهم الصمم وهم يسمعون أهالي الشهداء بمختلف طبقاتهم ومستوياتهم الاجتماعية وتعليمهم وهم يقولون: فداءً لمصر ومستعدون لتقديم المزيد!

كلمات تدل على أن مصر عصية على الكسر، وأن إرادة شعبها عصية على الهزيمة.. فهل هناك أروع تعبيرا عن ذلك من كلمات اللواء مشهور وهو يقول (الحمد لله.. الرصاصة مش في ظهره.. يعني ابني مهربش وواجه الرصاص بصدره).. تعظيم سلام للشهداء وسلام عليهم في عليين.. وتحية لكل أهالي الشهداء الصابرين المحتسبين.. وتحيا مصر.
Advertisements
الجريدة الرسمية