رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عيب يا وكالة رويترز


أدرس لطلابي في جامعة مصر الدولية MIU، مادة الترجمة الإعلامية وجئتهم أمس بخبر حول زيارة الرئيس لباريس والمؤتمر الصحفي للرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد اللقاء المثمر جدا بينهما، وشرحت للطلاب والطالبات مدي الولع الفرنسي العريق بالحضارة الفرعونية، وأنهم جعلوا دراستها ضمن المقررات الدراسية، وهو ما لا يحدث مع أي حضارة أخرى في التاريخ.. ولما رجعت إلى النص الذي بثته وكالة رويترز للأنباء، وفي معرض تعليم الطلاب ترجمته بلغة صحفية سلسة، لفت نظري الأسلوب غير اللائق الذي صيغ به الخبر:

العنوان الرئيسي للخبر كما يلي:
ماكرون يتجنب تلقين مصر درسا في حقوق الإنسان، والسيسي يدافع عن سجله
Macron avoids 'lecturing' Egypt on rights، Sisi defends his record

وسأعود إلى بيان اوجه المكر المهنى المقصود به الإساءة لاحقًا من واقع خبرة صحفية وإعلامية وأكاديمية لسنين طويلة، كما قد يعلم كثيرون من زملائي وقرائي الذين أعتز بهم كثيرا.

وفي الفقرة الثانية من الخبر، سيلفت نظركم استخدام الوكالة لكلمة قوات السيسي! وليس قوات الدولة أو الشرطة المصرية، واليكم النص بالإنجليزية:
Sisi، denying accusations by human rights groups that he had allowed his forces to use torture، told a Paris news conference: “We do not practice torture and... we must be wary of all the information published by rights organizations.” وترجمتها:

ونفى السيسي اتهامات جماعات حقوق الإنسان بأنه سمح لقواته باستخدام التعذيب، وقال في مؤتمر صحفي عقد بباريس: "نحن لا نمارس التعذيب... وخلوا بالكم لازم نكون حذرين من كل ما تنشره المنظمات الحقوقية".

حين تضع وكالة في حجم وتاريخ ومهنية رويتر كلمة مثل his forces فإنها لاتضعها اعتباطا، ولا يجوز لمهني أن يبتلعها، أو تمر عليه بسهولة. فكما قالت فضائيات كثيرة، بل محطات مصرية واذاعات مصرية "قوات الأسد، وكتائب الأسد وجيش بشار"، بينما هو الجيش العربي السوري البطل.. ليست هناك قوات تخص السيسي.. الشرطة المصرية لا تخص السيسي.. الجيش المصري ليس جيش السيسي.. الشرطة والجيش ليسا ملكا للنظام. هما جيش مصر وشرطة مصر، هما من الشعب ولحماية الشعب والأرض في الداخل وعلي الحدود، وخارجها إن أقتضى الأمن القومي إجهاضا لمكر وعدوان وتدبير خارجي.. وهذا ما تفعله الدول كافة. تريد الوكالة أن تقول إنه على رأس قوات ورجال يخصونه هو، كأنما رئيس مصر اختص نفسه بعصبة تنفذ أوامره بتعذيب من يعارضه أو يمارس الحريات المدنية.. والأخيرة مشبوهة بكل معنى الكلمة مثلها مثل العاهرة ديمقراطية!

ما فعلته الوكالة هو ما أسميه في المهنة بالمكر الصحفي، وهو مفضوح وساذج، ونراه يأتي في إطار سلسلة الاباطيل التي وقعت فيها رويترز للأسف في الآونة الأخيرة، فهى من بثت الأعداد الخاطئة عن شهداء جريمة الواحات البحرية، بل هي من بثت أن كركوك جزء من كردستان العراق ثم حذفت ذلك في التحديث التالي، وقد ضبطت ذلك أيضا أثناء تدريسي الترجمة للطلاب في نص حول الصراع بين بغداد وأربيل على كركوك.

بصفة عامة أردت التنبيه إلى أن المؤسسات العريقة في المصداقية والحياد المهنى، تنزلق رويدا رويدا إلى مستنقع الأخبار المزيفة، وتلوين الخبر، وتضمينه آراء الجهة الإعلامية أو الصحفية.. ولو رجعنا إلى العنوان الرئيسي للخبر سنلاحظ أن الوكالة اختارت لفظ" avoid" يتجنب، أي يعفي ضيفه من الحرج، ولو كان هذا المعنى هو أعلى القيم المعلوماتية في الحدث، لكان مقبولا تصديره في العنوان، لكن ما حدث هو العكس، فقد تفهم الرئيس الفرنسي الشاب الظرف المصري والإقليمي، وقال لن نعلم غيرنا كيف يحكمون انفسهم وكفي ما فعلنا في ليبيا والعراق حين تدخلنا، ومصر أدرى بأحوالها، كما لا أقبل أن يلقننى الآخرون دروسا في إدارة حكم بلادي، فلا يجوز أن نعلم غيرنا كيف يدير بلاده!

كل هذه القيم الإخبارية العالية والبالغة الأهمية تجاهلها العنوان الذي اختار طريقا يتمشى مع عدوانية موقفه من الإدارة المصرية.. موقف لا ينفصل عن موقف الــBBC والجارديان.

إعلان باريس باحترام سيادة الدولة الوطنية هو درس على الهواء لواشنطن ولندن وانقرة، وكل من أشعل الشرق الأوسط نارا وخرابا.

يبقى القول إن الرئيس السيسي كان موفقا جدا في رده على السؤال الشوكة الذي يواجه مصر في أي محفل دولي، وكان لتدفقه في الرد، والحجج التي ساقها والهدوء الذي خرجت به كلماته، أكبر الأثر في النفوس داخليا وخارجيا.

حرب الأخبار الكاذبة والملونة هي التمهيد الذي يسبق تخريب الدول.. نحن نعيشها الآن، بل نحن في القلب منها، وعلينا أن ننتبه، وأن نرد فورا على كل كاذب.
Advertisements
الجريدة الرسمية