رئيس التحرير
عصام كامل

ليلة تشييع «داكار» إلى مثواها في قاع المتوسط!


كان ياكوف رعنان الضابط بسلاح البحرية الإسرائيلية يعد الساعات للعودة إلى تل أبيب.. زوجته تنتظره وأصدقاؤه ينتظرون هداياه لهم من لندن.. كانت التعليمات لديه أن يرسل إشارات إلى وحدته في حيفا يبلغهم بها بسلامته ومكانه كل 6 ساعات.. فالغواصة التي يقودها هي الأحدث على الإطلاق في سلاح بحرية العدو الإسرائيلي طولها يقترب من الـ 90 مترا وعرضها يزيد على 8 أمتار، فضلا عن ارتفاعها الغاطس الذي يقترب من 5 أمتار أي بارتفاع دورين تقريبا!


كان الثالث والعشرون من يناير 1968 قد انتهى وحل ليل الرابع والعشرين من يناير وكانت ساعات تفصل بين وصول "ياكوف رعنان" إلى حيفا عندما كان يمر بغواصته أمام إحدى النقاط البحرية قبالة سواحل الإسكندرية وبغطرسة قاتله طلبت منه قيادته الانحراف يمينا والدخول إلى قيادة القوات البحرية بالإسكندرية-التي تم بها الاحتفال أمس- وتصويرها بما فيها من لنشات وقطع بحرية وطلبوا منه توقف أجهزة اللاسلكي وأي رسائل حتى داخل الغواصة وبطء الحركة إلى أقصى حد ممكن!

الصدفة وحدها وراء تواجد واحد من أكفأ ضباط البحرية المصرية هو محمد عبد المجيد عزب الذي كان يقود السفينة "أسيوط" ويدرب عليها طلبة الكلية البحرية في جهد متواصل لإعادة بناء الجيش المصري بعد 67.. كان أبطال القوات البحرية في معنويات مرتفعة بعد تدميرهم للمدمرة إيلات قبل أسابيع، لكن عزب مع قطع بحرية مصرية أخرى مع ضباط المراقبة رصدوا صوتا غريبا في المنطقة فتم في لحظات إبلاغ القيادة التي أبلغت الفريق أول محمد فوزي وزير الدفاع وقتها الذي أبلغ على الفور الرئيس جمال عبد الناصر وجاءت التعليمات كما جاءت في إيلات "التعامل فورا واغراقها بأي ثمن"!

تم تحديد دائرة واسعة يصدر منها الصوت الغريب وتم إغراقه بالألغام البحرية.. وهو ما رصده "ياكوف" ورجاله فاضطر إلى الهبوط إلى أقصى عمق ممكن وهو عمق يكفي وحده بغرق الغواصة! وما هي إلا ساعات وأعلن في إسرائيل انقطاع الاتصال! إلا أن رجال البحرية المصرية وبعد الساعات ذاتها شاهدوا بقعا زيتية ومخلفات تطفو على سطح المياه مما أكد على أن الغواصة "داكار" قد انتهت باسمها العبري الذي يعني اسما يقترب من "وحش البحر"!

تم إبلاغ القيادة ومنها إلى القائد الأعلى جمال عبد الناصر، لكنه رفض إعلان خبر إغراق المدمرة في موقف يعالج طريقة إعلان البيانات العسكرية في 67 إلا أنه وبعد أحد عشر عاما بالتمام طلب السفاح مناحم بيجن من الرئيس السادات البحث عن الغواصة المفقودة كشرط من شروط المفاوضات لضغوط عقائدية خاصة بأسر القتلى الإسرائيليين وأرسلت بالفعل عدة أطقم عسكرية حتى عثروا عليها بالفعل في قاع المتوسط في مساء إحدى ليالي عام 1989 إلا أنهم وبسلوكهم المعتاد زعموا أن الغواصة غرقت لأعطال فنية رغم أنها خرجت من مصانع لندن رأسا إلى مصيرها!

الإسرائيليون لا يريدون أن ينسب أي نصر للمصريين وهو ما يساعدهم فيه بعض الأغبياء والحمقى المصريين وخصوصا في الإعلام، إذ يسخرون من الاستنزاف وبطولات أخرى وكأنهم إسرائيليون!

وكان السؤال المنطقي في الرد على الخبث الإسرائيلي: إن كان عيب فني وراء غرق الغواصة.. فلماذا لم تعلنوا عن غرقها في حينه؟ ولماذا انتظرتم واحد وعشرين عاما كاملة كانوا ينفقون يوميا مليون شيكل في البحث عنها؟ هذا الخبث يصاحبه غباء صور لأصحابه أن المياه المصرية مستباحة بعد 67 إلا أن أسود البحر الذين يحتفلون بعيدهم الذهبي أثبتوا العكس تماما وفي درس قاس خسروا فيه غواصة حديثة و69 من ضباطهم وجنودهم وهو رقم صحيح أقل من "المدمرة إيلات"، لكنه كبير جدا بالنسبة لإسرائيل ولن ينسى أبدا!
الجريدة الرسمية