رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كيف تتبع إرشادات الطرق وتبلغ أبواب الآخرة؟!


من مهازل السير في طرق مصر وشوارعها أنك إذا صدقت المكتوب بالخطوط البيضاء فوق أرضية اللوحات الزرقاء، ومشيت وفق توجيهات هذه اللافتات فسوف تضل الطريق.. يعني لو أن حضرتك ماض بسيارتك على طريق السويس، فمن المحتمل باتباع اللوحات، هذا لوكانت هناك لوحات أصلا، أن تهبط في مدخل مدينة جوهانسبرج في جنوب أفريقيا!


الحقيقة أننى جربت مأساة وملهاة أن أقود سيارتي إلى المجهول المعتم المظلم المرعب، وبرفقتى في التيه صديقي الدكتور أسامة أبوطالب أستاذ الدراما والنقد بأكاديمية الفنون ورئيس البيت الفنى الأسبق للمسرح، ولقد تصلب عنقه ودق بصره وبصري، ونحن نتفقد ونبحث وننقب بعيون حادة كليلة، ومن وراء النظارات، عن أي لوحة إرشادية تنطق وتقول إن موقع مدينة "مدينتى" على بعد عدة كيلومترات.. من أول طريق القاهرة السويس، وفي الظلام، متجها إلى المدينة العالمية العصرية المغربية البدنجانية.

لا ترهق عينيك بحثا عن أي لافتة.. لقد قمت بمغامرة الاستكشاف بدلا عنك.. هل تعلمون من أنقذنا، طول الأربع وثلاثين كيلومترا ؟! هل تعلمون من كتب لنا ونطق لنا أن مدخل مدينتي يبعد عنا ستة كيلومترات، ثم خمسة، ثم أربعة فثلاثة؟! إنه الخواجة جوجل المحترم الذي يرصد وصفًا وأرقامًا، دبة النملة والبقرة والعربة في كل بقعة من خريطة مصر!

مدينتي.. مدينة مصرية بمواصفات عالمية! حسنا تلك هي "المصرية".. التتش العريق.. الغيبوبة.. شركة كبيرة لهشام طلعت مصطفى، أنفقت الملايين وجمعت المليارات، ولا لافتة على طول طريق سريع ترشدك نحوها!

ربما يتذكر القارئ حملتي الإعلامية على "مدينتي" في برنامجي التليفزيوني "الشارع المصري" على قناة "مودرن تي" في، موثقة بالعقود، وأيامها تعرضت بالنقد والاستغراب كيف حصل هشام طلعت مصطفى على ٣٢ مليون متر مربع مرفقة حتى مدخل المدينة، مقابل ٧٪‏ من المباني للحكومة.

لم تكن بقية النسبة مخصصة للقصور ولا الفيلات ولا ينبغي، لكن هذا ما جرى، وهذا ما جرى لبرنامجي ذاته الذي كانت آخر حلقاته، الحلقتان اللتان ناقشت فيهما مع المحامي علاء عبد المنعم ومع النائب وقتها رجب حميدة، عيوب التعاقد المجحف!

ما علينا تلك أمة خلت، وهشام قتل و...، وخرج صحيًا بعد سنوات عصيبة، والبنت ماتت مشفوعة بتاريخ من التناقضات سودت سمعتها وشيعتها إلى الآخرة بروايات ألهبت توزيع الصحف شهورا، ثم إن المدينة منورة، والطريق إليها ظلمات وظلمات.. ثم من الظلم أيضا أن أعفى هيئة الطرق والكباري من مسئولية النوم في الخل وتخفيض عدد السكان عمدا وتسهيل قبض الأرواح لعزرائيل بإظلام الطرق وتغييب اللافتات.. ولم تكن الغيبوبة في طريق الذهاب إلى مدينة الشوشو، بل أيضًا وأنت راجع إلى القاهرة، على نفس طريق السويس والسواد.. ولا لافتة ترشدك أنك لست متجها إلى الإسماعيلية أو بورسعيد، بل ربما تفاجأ بلافتة عند مدخل لم تقصده!

والحق الحق أن ليس الطريق إلى مدينتى هو الوحيد المعتم، فما أكثر الطرق في مصر تعتيما وتحطيما.. طرقنا قباب وحفر.. يستخسر منشئ الطريق، أظنها هيئة الطرق أن تطمئنك أنك ماض في الطريق الصحيح.. ربما تضع لك لافتة في أوله، ثم تنساك حتى بواباتها أ وآخر الطريق! لا يفهمون نفسية المسافر.. لو فهموها لوضعوا اللافتات على مسافات مدروسة هندسيا ونفسيا.. والمهزلة أنهم لو فعلوها ظهرت لك الخطوط كالحة أو شاحبة، أو اللافتات عالية جدا، تدق على الأنظار، أو ألقوا بها على جوانب من الطريق غارقة في الظلمة.

بالطبع لن أتحدث عن الأخطاء الإملائية ولا عن النحو فهذا ترف بصراحة.. وهو استنطاع منى لا يجوز، وتحميل للجاهل الذي سطر اللافتات فوق ما يحتمل.. ولن أتحدث عن المطبات، وعن سيارات المصريين التي تنقطع أنفاسها صعودا وهبوطا، لكن سأقول لك ولنفسي أن الحمد لله أن نجونا من مهالك الطرق وغباوات اللافتات، ولنا في الطرق الجديدة عزاء وسلوى، لكن طريق سلوى ليس في طريق بيتنا ولا أعمالنا.. حسنا لعل الرئيس يأمر بفتح بطون الشوارع والحواري والمدقات وإصلاحها، وترميم الحفر والكمائن، ليجعل حياة الناس أسهل وأعصابهم أهدأ.

كلما رأيت طريق "بنها-المنصورة" بالستة وسبعين مطبا صناعيا ديناصوريا، تساءلت عن قوة إبصار محافظ الدقهلية دكتور شعراوي والتمست له الأعذار، وصليت من أجل سلامة وصوله، وهو يسافر إلى القاهرة لحضور اجتماعات الكبراء والنظار! ولو قابلته سأطمئنه أننى سأكلم له محافظ الدقهلية دكتور شعراوي، ذات نفسه، وربما أجن وأهاتف له وزير النقل إلى الآخرة! امش مع اللافتة وستصل إلى حتفك.
Advertisements
الجريدة الرسمية