رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الروتين المقدس.. مصالح خفية أم عيب مزمن في الشخصية المصرية؟ «ملف خاص»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

أعد الملف: أحمد فوزي سالم -  محمد حسني -  محمد وردة -  نادر سلامة -  أماني فلفل -  مصطفى إبراهيم


يتغير المجتمع المصري، تندلع فيه ثورات وتختفي طبقات اجتماعية، وتنتهي الطبقة الوسطى في مصر؛ ندخل عصر العولمة وحروب الجيل الرابع بتفاصيلها الساخرة - الواقعية جدا، ترتفع أعداد المصريين إلى 105 ملايين إنسان بكل ما يحمله الرقم الصادم من تفاصيل اقتصادية واجتماعية لا تخفى على أحد، في نفس الوقت الذي نأمل فيه أن نعيش حاضرًا تتسع فيه الأمنيات إلى ما لا حدود لها.

كل ذلك يحدث دون أن نعمل على تطوير أنفسنا، أو على الأقل نتخلص بشكل ذاتي من ثقافة الروتين البغيضة التي تعوق البناء والسعي للحاق بركب التقدم الذي تحياه دول كانت بالأمس القريب تتمنى فقط أن تلحق هي بركابنا، وهو ما يدعو «فيتو» لفتح الملف وطرح السؤال: من الجاني ومن المجني عليه، الدولة أم المواطن المصري؟

مجلس النواب: العيب على الحكومة
في مجلس النواب المعني بالتشريع، توجهنا بهذا السؤال إلى المهندس أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية في مجلس النواب، لنعرف كيف يراه، رد علينا وقال إن تأخر الحكومة في إقرار اللوائح التنفيذية للقوانين برأيه أهم الأسباب التي تؤدي إلى تعطيل تفعيل القوانين التي يتم الموافقة عليها داخل البرلمان.

يؤكد السجيني أن الحكومة في حاجة إلى الهمة العالية لإنجاز اللوائح التنفيذية التي تمت الموافقة على قوانينها، وفي مقدمتها على سبيل المثال لا الحصر، قانونا الاستثمار والتصالح في أراضي الدولة، ويعتبر أن تأخرها في إقرار اللوائح التنفيذية يرجع إلى الخلاف بين الوزارات أو الجهات صاحبة الاختصاص في القانون، وهو أمر يستوجب التحرك السريع، فغياب هذه القوانين يعطل العمل.

إجابة رئيس لجنة الإدارة المحلية لم تقدم تفسير كامل للقضية، فتوجهنا بها إلى المستشار محمد عطية، وزير التنمية المحلية الأسبق، الذي حمل «الروتين» إلى الموظف في الدوائر الحكومية وليس النصوص القانونية التي يراها مجرد إجراءات يجب أن تتبع.

ويضيف الوزير الأسبق: بعض موظفى المحليات يعرقلون تنفيذ القانون، لذلك لا بد أن يكون هناك رقابة شديدة عليهم، ويضرب المثل بنفسه في ذلك، مؤكدا أنه خلال رئاسته للوزارة أنشأ جهازا للتفتيش والرقابة وتم منح أعضائه صفة الضبطية القضائية للقضاء على فساد الموظفين، بحيث يتم إحالة الموظف المخالف للنيابة العامة للتحقيق معه.

ويؤكد عطية أن تأخير إقرار قانون بأهمية «قانون الإدارة المحلية» ينعكس على تأخير تشكيل المجالس الشعبية المحلي ودورها الرقابي على المحليات، موضحا أن عودة المجالس الشعبية المحلية سيساهم بدرجة كبيرة في القضاء على الفساد نوعا ما داخل المحليات، نظرا لأحقية أعضائه في محاسبة القيادات التنفيذية بالإدارة المحلية.

على المستوى الاقتصادي، قدم وائل النحاس، الخبير الاقتصادى وخبير أسواق المال، وجهة نظره في الخسائر الناجمة عن الروتين والبيروقراطية وأوضح أنه لا يمكن حسابها بدقة في ظل عدم وجود أى آليات يمكن من خلالها معرفة إنجاز العامل وتاثير الروتين عليه، لافتا إلى أن قانون الاستثمار المسئول عن إزالة الروتين والبيروقراطية لائحته التنفيذية لم ترى النورحتى الآن، واصفا القانون بأنه الروتين نفسه.

الخبير الاقتصادى يرى أن الدولة المصرية ليست في حاجة إلى قرارات أو قوانين بقدر حاجتها إلى سيستم للعمل في الوزارت والهيئات المختلفة لتنظيم العمل وتنظيم حياة الموظف، ويدلل على ما يقوله بأن هناك 45 مليون مشترك في التليفون المحمول يعمل على راحتهم 3 ملايين موظف، بينما في البطاقات التمويينية يتطلب استخرج بدل تالف وقتا ومجهودا كبيرا للغاية وهذا يرجع إلى النظام المخصص للعمل ونظام الإدارة وليس اللوائح والقوانين.

روتين الرياضة.. تدمير ذاتي لأبطال مصر
من الاقتصاد للرياضة، لا تخلتف المقامات، الإهمال والروتين كانا السبب في عدم الاستفادة القصوى من أبطال الرياضة المصرية، وورغم أن الصدفة تلعب دورا كبيرا في وصول بعض الأبطال المصريين لمنصات التتويج، إلا أن المسئولين سرعان ما يعملون على اغتيال حلم الأبطال، ويبدأ الإهمال يضرب بقوة أحلامهم في تكرار أي إنجازات.

ولعل الدليل على خطورة الإهمال والروتين على الرياضة المصرية، هو ما حدث حدث مع كرم جابر لاعب المصارعة الرومانية وصاحب الذهبية والفضية في أوليمبياد بكين ولندن، الذي لم يشارك في دورة الألعاب الأوليمبية الأخيرة بريو دي جانيرو لإيقافه من المنظمة الدولية للمنشطات لأخطاء إدارية بسبب عدم تواجده في الموعد المحدد لإجراء التحاليل، وهو ما تسبب في ضياع ميدالية كانت في المتناول بسبب خطأ إداري.

ويعود الخطأ الإداري إلى أن اللاعب لا يجيد القراءة والكتابة، وكان يجب على الاتحاد تعيين مرافق له لإنهاء إجراءاته وعدم وقوعه في أخطاء إدارية ساذجة، خاصة أن اللاعب يحمل ميداليتين أوليمبيتين وكان مرشحا للثالثة في الأولمبياد الماضي، إلا أن الإهمال تسب في استبعاده.

سارة سمير صاحبة برونزية رفع الأثقال بأوليمبياد ريو دي جانيرو، هي أيضا إحدى أهم وأبرز المتضررات من الروتين، حيث سبق أن أعلنت اعتزالها بشكل مؤقت، رغم أنها لم تتجاوز الـ19 عامًا، من أجل التفرغ لدراستها، خاصة أن الميدالية البرونزية في البرازيل كانت سببا رئيسيا في عدم حصولها على شهادة الثانوية العامة، مما دفعها حاليًا للتركيز في مستقبلها التعليمي.

ورفضت سارة المشاركة في بطولة البحر المتوسط، واتهمت المهندس خالد عبد العزيز، وزير الشباب والرياضة، بالتراجع عن وعده لها بالتدخل لتشكيل لجنة خاصة لها لأدائها امتحانات الثانوية العامة، مؤكدة أنها ستتفرغ لدراستها حيث تدخل امتحانات الثانوية العامة للعام الثانى على التوالى بسبب عدم دخولها امتحانات العام الماضى لارتباطها بمنافسات أوليمبياد ريو دى جانيرو.

بطلة أوليمبياد ريو دى جانيرو، أكدت مرارا أنها حاولت الاتصال بوزير الشباب والرياضة سواء على هاتفه الشخصي أو عن طريق الاتصال بمكتبه، إلا أنه لم يرد عليها، ولم تتلق أي ردود من جانب مسئولى الوزارة، وهو ما دفعها لاتخاذ قرار بالتفرغ للدراسة وعدم المشاركة في البطولات المقبلة.

زميلها محمد إيهاب، صاحب برونزية ريو دى جانيرو برفع الأثقال أيضا، كان أحد ضحايا روتين مسئولي الاتحاد برئاسة محمود محجوب، حيث لم يعقد الاتحاد أي معسكرات للمنتخب عقب انتهاء الأولمبياد وحتى الآن، وهو ما تسبب في هبوط مستوى جميع اللاعبين، فلم يجد إلا خوض تدريباته منفردا بعيدا عن مظلة المنتخب الوطني، رغم مرور 8 أشهر من انتهاء منافسات الدورة الأوليمبية الماضية.

وكذلك كان الإهمال وسيطا في القضاء على أي أحلام بطلة الأولمبياد هداية ملاك لاعبة منتخب التايكوندو، وصاحبة برونزية أولمبياد ريو، من الدور الأول لمنافسات وزن ٦٢ كجم ببطولة كأس رئيس الاتحاد الدولي، والمثير هنا أيضا أن المصرية المصنفة رقم ٣ خسرت أولى مبارياتها بالبطولة أمام لاعبة كرواتيا كريستينا بيروس المصنفة رقم ١٢ على العالم، إلا أنها لم تكن مفاجأة للمتابعين للاعبة خاصة أنها أول منافسة لها منذ 8 أشهر عقب التتويج الأوليمبي.

وفور انتهاء منافسات الأولمبياد، عانت هداية ملاك على المستوى التعليمي، وهو ما دفعها لتقرر التفرغ لدراستها، حيث تدرس بالسنة الأخيرة بكلية الفنون الجميلة، وتركت التدريبات وهو ما تسبب في زيادة وزنها بشكل ملحوظ، ليعلن مسئولو اتحاد التايكوندو اعتذارها عن عدم المشاركة في بطولة مصر الدولية المفتوحة التي أقيمت في الأقصر شهر فبراير الماضى بدعوى إصابتها في الكاحل، إلا أن السبب الحقيقى كان عدم جاهزيتها الفنية للمنافسة حيث كانت تخضع لبرنامج تخسيس، لتضطر هداية للمشاركة في بطولة جائزة الرئيس بوزن 62 كيلو رغم أنها فازت بالميدالية الأوليمبية في وزن 57 كيلو.

وعلى مستوى كرة القدم، عانت الكرة المصرية كثيرا من اغتيال بعض المواهب التي كانت مرشحة لغزو الملاعب العالمية بسبب عدم قدرة مدربي الناشئين على اكتشاف تلك العناصر وتنمية مهارتها، بالإضافة لغياب العامل النفسي، ولنا فيما حدث مع إبراهيم سعيد أحد أبرز لاعبي الكرة المصرية في السنوات الأخيرة عبرة، حيث اعتزل اللاعب مبكرا دون تاريخ يذكر رغم مهارته التي لا يختلف عليها اثنان.

كما كان اكتشاف محمد أبو تريكة نجم الكرة المصرية في السنوات الأخيرة بالصدفة، وعقب بلوغه عامه الـ26، ليدون الماجيكو تاريخا مع القلعة الحمراء في سنواته المتبقية، بالإضافة لرفض نادي الزمالك التعاقد مع محمد صلاح نجم ليفربول الإنجليزي الحالي، وتسريح محمد النني نجم أرسنال الإنجليزي الحالي من قطاع الناشئين بالنادي الأهلي، وهو ما يؤكد أن العشوائية والروتين يقودان الكرة المصرية.

كيف نجحت دول العالم في القضاء على الروتين؟
الروتين بالطبع ليس مشكلة مصرية خالصة، هو أحد الأمراض العضال التي تخنق الدول النامية، فالتخلص من البيروقراطية والإجراءات الروتينية الحكومية طريق وحيد للدفع نحو تسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، وهناك دول صارت عظمى بسبب الضرب بيد من حديد على غول الروتين الذي يقف سدا منيعا أمام أي محاولة للنهوض وهناك 3 دول يمكن الاسترشاد بتجربتهم، وهم كالتالي: 

الصين
الصين تجربة يمكن التعلم منها، فالحزب الشيوعى والحكومة هناك أقرت سياسات الانفتاح وإطلاق حرية القطاع الخاص والنمو المتسارع للاقتصاد والثروات، وذلك عبر تضمين الخطة الخمسية الحالية للدولة الممتدة من 2013 إلى 2017، منظومة صارمة لمحاربة الفساد ومعاقبة الضالعين فيه، كما أطلق الزعماء الجدد للحزب ومنذ بداية 2013 حملة قومية شاملة لمحاربة الفساد.

سويسرا
في سويسرا حاولت هيئات الرقابة تسهيل كافة الإجراءات التي من شأنها أن تعيق الحيوية داخل المظومة الحكومية وتعكف على تنظيم جولات تفتيش على المسئولين، لتتبع السلوكيات غير المشروعة مثل المتاجرة بالنفوذ من أجل الأموال وإساءة استغلال السلطة والرشاوى، بالإضافة لأساليب العمل الضارة كالبيروقراطية والشكلية والرفاهية والبذخ وحتى التراخى في القيام بالواجبات.

"علم النفس": المصري لا يحتكر الروتين
في علم النفس القضية مختلفة تماما، فالمصري ليس وحده من يحتكر الروتين ولا يجد له حلا، بل هو أزمة إنسانية تتجدد في أشحاص بعينهم مع شروق كل يوم جديد بشكل مُبرمَج مُسبقًا، حيث يعتاد الروتينيون أسلوبًا واحدًا لأنشطة الحياة اليومية، الذي لا سبيل لتغييره في المستقبل القريب، فمن مسئولية الأطفال، وصولًا للعمل، ومن ثم تفاصيل متكررة داخل أركان العمل، حتى بلوغ صافرة النهاية، ينتهي دور الإنسان المهني ليبدأ العمل الأسري من جديد، هكذا يقول الدكتور عبد الفتاح ناجي خبير العلاقات الاجتماعي الدولية.

بحسب ناجي الإنسان الروتيني يحفظ العقل النشاطات الاجتماعية المتكررة، حيث لا جديد يمكن ذكره، ليتصدر بالتالي ذلك الروتين اليومي المشهد في حياة هؤلاء البشر، ومع استمرارية تكراره تبدأ ملامح الملل والضجر بالتشكل، فالروتين الممل يقلل من النشاط، ويقلل من النظرة الإيجابية للحياة ومن يعيشون فيها وهو ما يسمى بالاكتئاب النفسي.

ويتابع ناجي: يدخل الإنسان ذلك الشعور السلبي نحو الجسد عبر العقل بسبب التعود على نمط متكرر في النشاط اليومي. فيسقط الإنسان في الحلقة المُفرغة داخل سجن الروتين اليومي، الذي صنعه بنفسه لنفسه وتتكرر أمامه الأفكار السلبية والتعود والخوف من الجديد، وجميعها أمور تغذي الروتين، وترفع من مستوى تأثيره في الإنسان، فتتملكه وتقوده للسير على طريق واحد من دون الالتفات سوى نحو جهة واحدة اعتادها العقل، حتى تصبح طريقا ذا اتجاه واحد ذهابًا وإيابًا.

ويوجه الخبير النفسي نداء أخير ونصيحة لمرضى الروتين: لا تجعلوا حياتكم مرتبطة بخط سير واحد، لا تنشروا الظلام قبل المحاولة، لا تحكموا على الأمور قبل تجربتها، تغيير بسيط في جدول حياتك يصنع اختلافًا كبيرًا ويمنعك من السقوط في فخ الروتين، فأي نشاط جديد يسبق أو يتبع نشاطك اليوم هو تجديد، وبعض القليل يصنع الكثير.
Advertisements
الجريدة الرسمية