رئيس التحرير
عصام كامل

الطرّيشة !


لا تخلو الصحراء القاحلة من سكانها الطبيعيين التقليديين؛ العقارب والأفاعى والحيات، والتي تتخذ أشكالا وألوانا كثيرة ومتعددة، عادة ما تكون قريبة من البيئة التي تعيش فيها كى تساعدها على الاختفاء من ناحية، والوصول إلى أهدافها حينما يتسنى لها ذلك من ناحية أخرى.. والطريشة (بتشديد كل من الطاء والراء، مع ضم الأول وكسر الثانى)، هي نوع من الحيات التي تعيش في الصحراء.. لا يتجاوز طولها ٣٠ سنتيمترا، تتحرك على الرمال بطريقة لولبية مرتكزة على ذنبها رافعة رأسها وصدرها، وإذا لاحت لها فرصة فإنها تقفز على الفريسة بمسافة ٥٠ سنتيمترا..

 وعادة ما تختبئ بين أحجار وصخور الوادى، وتتحين الفرص للانقضاض على فرائسها.. أهم ما يميزها أن لدغتها خطيرة، ليس لها مصل، وغالبا ما تؤدى إلى الموت والعياذ بالله.. كثيرا ما كنا نحن الجيولوجيين الذين يقتضى عملهم ارتياد صحراء الجبال لرسم الخرائط الجيولوجية، نلتقيها أثناء تجوالنا في الأودية بين الجبال الشاهقة في صحراء مصر الشرقية..

هناك من الحكام أو الشخصيات العربية من يمتلك سمات وخصائص الطريشة، فهى تحيا على اصطياد الفرائس، وفى سبيل ذلك هي لا تعلن عن توجهاتها، ولا أهدافها، بل إنها عادة ما تتلون حسب الظروف والأحوال التي تحيط بها.. تكمن في الخفاء حينا، وتظهر في العلن حينا آخر.. وعادة ما تستخدم أو توظف من قبل دول كبرى لأداء أدوار غاية في الخطورة؛ كزعزعة استقرار دول المنطقة، وتفكيكها لدويلات صغيرة ضعيفة، تتناحر فيما بينها من خلال نزاعات عرقية وطائفية ومذهبية، علاوة على استباحة ثرواتها ومواردها..

ويمثل أمراء دويلة قطر هذه الطريشة، فلديهم سلاح المال الذي يوظفونه في شراء الضمائر والذمم، كى يكون أصحابها عونا لهم على تنفيذ مخططاتهم وأداء الأدوار المطلوبة منهم.. على سبيل المثال أصحاب الحركة الإسلامية الذين احتضنتهم منذ ستينيات القرن الماضى، وهؤلاء الذين هربوا إليها عقب ثورة الــ ٣٠ من يونيو ٢٠١٣، والإطاحة بحكم الإخوان.. هؤلاء وأولئك يمثلون بالنسبة للطريشة الورقة الرابحة التي تستخدمها في تنفيذ أغراضها؛ سواء في إثارة الغبار حول الدول العربية، أو الضغط عليها وابتزازها بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك وسائل الإرهاب والتطرف، إرضاء لأسيادهم من جانب، وإظهارا لتميزها وتفوقها على أقرانها من جانب آخر..

وحتى يتمكن أمراء دويلة قطر من نيل مرادهم، استطاعوا أن يتغلغلوا بأموالهم في المجتمعات الأوروبية، وأن يشتروا حصصا في مؤسساتها حتى تكون لهم كلمة نافذة لديها.. لذا، لا عجب إذ وجدنا الدعم الكامل أو شبه الكامل من هذه الدول تجاههم، خاصة أن الأهداف مشتركة والمصالح تكاد تكون واحدة.. ولولا أن الدول الغربية -عموما- لها مصالحها أيضا لدى مختلف الدول الأخرى، لأعلنت دون خجل وبمنتهى الصراحة والوضوح وقوفها إلى جانب "الطريشة"، التي لم تكتف بعلاقاتها مع تلك الدول وإنما استطاعت منذ زمن أن تقيم علاقات وثيقة للغاية بــ "طريشة" أخرى من نوع فريد هي الكيان الصهيونى..

الجريدة الرسمية