رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى: قصيدة «في رواية السلاسة» سبب منعي من دخول فلسطين

فيتو

  • الشكر لشقيقتنا الكبرى مصر على إنجاز ملف «المصالحة الفلسطينية» 

  • «وصايا فوزية الحسن العشر» يتصدى لقضية «المخيم» المحفور بذاكرة الفلسطينى

  • قضية «الظل» في «وصايا فوزية».. مرادف للذاكرة



«لا تنسى وجهك في مرايا الآخرين.. فالملامح كالخرائط في يد الأعداء.. لا تكن مثلهم.. كن كما أنت، مثلك..لا شيء مثلك».. هكذا صار الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى على درب وصايا والدته –فوزية الحسن- راسمًا بوصاياها ملحمة جديدة من مشروع «الإلياذة الفلسطينية».. حارسًا للذاكرة الفلسطينية.. عبدالله عيسى.. رجلُ فقد ظله.. ولكنه عاهد روحه على مناهضة شريعة القتل وممارسات الاحتلال بقوة ظلال أرواح الشهداء... وإلى نص الحوار:


• في ديوانك الأخير «وصايا فوزية الحسن العشر».. احتل «الظل» مساحة كبيرة بين القصائد.. فما أسباب ذلك؟
كثير من النقاد أعتقد أنني في مختبري الشعري السابق كنت أشتغل على مسألة الهواء كبعد رابع، لأن كثيرًا من الشعراء تعاملوا مع عناصر الماء والنار والتراب والأرض، لكن في مجموعاتي الأولى عملت على عنصر الهواء.. وقضية الظل ظهرت عندى لمجموعة من الأسباب، فالظل دائمًا له علاقة بالضوء وبالمرايا، ولا وجود للظل دون قامة، كما لا وجود للصدى دون صوت، وفى القراءة العربية يوصف «الظل» بالقناع للشخصية، وأنا لا أتعامل معه بهذا المعنى أي لا أقتنع بالظل، بل أصفه بسبب قوة ذاكرتي ولأن قامتي تتعالى بتعالي الظل نفسه –وهنا المعادلة- فالظل هو شكل من أشكال حياة الجسد وينتقل حيث ينتقل الجسد، ولا يتطابق الظل مع الجسد إلا في حالات إستثنائية، حين تصبح الشمس عمودية على الجسد أو عندما يكون الجسد في حالة موت أو نوم، ولهذا يتحرك الظل عندى بتحرك الدلالات، فهو دال وليس الدال الأساسي في النص، هو الهامش ولكن هذا الهامش هو جزء رئيسي في المتن..
وتجلت تلك الرؤيا في ديوانى الأخير« وصايا فوزية الحسن العشر»، خاصة أن الذاكرة هي الظل الذي يعد الضفة الأخرى للضوء، ولكن حين نتعاطى مع علاقة الظل بالمرايا لابدّ نكتشف دائمًا بأن لا وجود لظلالنا في المرايا، ولذلك،فهناك فصل في الديوان بعنوان يحمل عنوان «حيث لا ظل لى في المرايا سوى جسدى»، ولا وجود لجسد دون فكرة ولا وجود لفكرة دون حرية ولا وجود لحرية دون وطن، ولهذا فإن الظل هو جسدى، وجسدي وطنى، وفكرتى حريتى، كما أقدم في الديوان، حيث أتعامل مع الظل بوصفه جزء من أصل الأشياء، لا يمكن أن يمحى بماء الحياة على الإطلاق دون أن يكون هناك مرايا، وهذه المرآة عالم حيوي بالنسبة لى وللفلسطيني الذي أسعى للكتابة عنه في هذه المجموعة، هناك ظلال كثيرة تمضى وتتحرك بيننا ولكنها ليست كالأشباح، فلهم بطولاتهم وقاماتهم عالية للغاية، وحين أمتدح الظل فإنني لا أتعاطى معه بوصفه مشروعا بلاغيًا، وإنما جزء من بطولات هذه القامات.

• إذا كان الظل هو الوطن وأنت قضيت عمرك كله خارج فلسطين.. فهل يعنى ذلك أن «عبدالله عيسى.. رجلُ فقد ظله»؟
فلسطين ظل السماء المقدسة، لقد زرت غزة من قبل ولكنها جزء مقتطع من الوطن، ولم يتحرر الوطن كاملًا بعد، ولذلك ما زال الجسد الفلسطيني أسيرًا، ولم يقبل الإسرائيلى أن أزور وطنى حتى الآن، على الرغم من أننى دُعيت كثيرا من مؤسسات ثقافية ومهرجانات في فلسطين، واعتقد أن الإسرائيليين لا يحبون الشعر وبسبب قصيدة «وفى رواية السلالة» التي تضمنها الديوان، والتي كتبتها في ذكرى النكبة في عام 2014، رفضوا دخولى إلى فلسطين، أما فيما يخص مسألة الظل والوطن فعودتى إلى أرض فلسطين منقوصة، لأن الوطن منقوص. وكأني لم أعد.. وإذا كانت قضية فلسطين هي قضية عادلة فعدالتها مستمدة من أن فلسطين ليست قضية جغرافية وليست مسألة نزاع على أرض بقدر ما هي مسألة الزمان والمكان الفلسطينيين المقدسين، فلا يمكن فصلهما طالما يتجسدان في الإنسان الفلسطينى، الوريث الشرعى للأحداث التاريخية والدينية التي حلت على أرضنا، وأصبحت جزء منها كروح السيد المسيح حين صٌلب ووريث رحلة الإسراء والمعراج من القدس،والتي جعلت فلسطين أرضًا مقدسة، وسؤال المعرفة الأساسى بالنسبة للقضية الفلسطينية هو حلم العودة للإنسان الفلسطينى فهو العنصر الأساسي لتكوين الضمير والوعى الفلسطيني، وديوان «وصايا فوزية الحسن العشر» يلامس تفاصيل الروح والذاكرة الفلسطينية ومفردات العودة بقوة، لذلك فكأن ظلي فقط هو من عاد إلى فلسطين ولم أعد أنا.

• على أثر الحديث عن ديوان «وصايا فوزية الحسن العشر».. فمن تلك السيدة التي ذيلت المجموعة بوصاياها؟
فوزية الحسن هي أمى، وهى أم فلسطينية اقطتعت من تاريخ وجغرافيا خاصة بها، وحملت مفردات فلسطين كاملة إليّ، حيث إنها نقلت إليّ حِمل صرّة اللجوء والتراجيديات الكبرى برحلتنا وهجرتنا وشتاتنا الأكبر منذ قيام دولة إسرائيل وما قبلها، فهى حارسة العائلة الفلسطينية الكبرى ككل أم فلسطينية، ولذلك فأن وصاياها الكبرى تبدأ بـ«لا» كأحد أشكال الرفض، لأن الوصايا كما عهدناها في الكتب المقدسة تتسم بالتلقين والخنوع، فمازالت وصاياها تحملنى أسوار عكا وتفاصيل فلسطين كاملة وهى التي قالت «لو عكا تخاف من البحر ما كانت جاورته»، فبوصاياها أفقد الشعور بالخوف تجاه العدو، وعلى الرغم من الشتات فقد حافظنا على هويتنا من الذوبان في هويات الآخرين، وأمى كانت وعاء ورمزًا للحفاظ على الهوية عبر لهجتها وثوبها وتفاصيل ومفردات حياتها، حيث نقلت كل ما تضمنته رؤيا الحجر الفلسطيني منذ الكنعاني الأول حتى يومنا هذا.

• ديوان «وصايا فوزية الحسن العشر» بمثابة استعادة وعرض لذكريات الروح الفلسطينية.. فلماذا؟
هذا الديوان هو جزء من مشروع بدأته بديوان «موتى يعدون الجنازة» في الثمانينات، واستكمل بـ«قيامة الأسوار» الذي طبع في رام الله، ثم فيما بعد بـ«رعاة السماء رعاة الدفلى»، حيث أسعى إلى تقديم الرواية الفلسطينية بوصفها مشروعًا جماليًا، وهذا المشروع يتناقض بشكل جوهري مع شرعة القتل والمحو والإلغاء التي ينتهجها الإسرائيلى على أرضنا. استعادة الذكريات ليست بهدف حفظ الذاكرة فقط، لأننا شعب عصي على النسيان والكسر، بل لتأصيل الإنساني في معركة وجوده في مواجهة المحتل والتشتيت والتهجير.. لقد تصديت في هذه المجموعة إلى سؤال آخر من قضية الهوية والمصير الفلسطيني، وهو سؤال «المخيم» لأنه شكل من أشكال تجاور وتجمع القرى والمدن والثقافات الفلسطينية، ففلسطين كلها تعيش في هذا المخيم بذاكرة واحدة وسؤال ومصير واحد.. كل هذه الأشياء جعلتنى أتخيل منذ الطفولة بأننا حين نعود لأرضنا، فسوف يصبح هذا المخيم أشبه بمتحف شاهد علينا، ولكن للأسف الشديد ظل المخيم في حالة تصدي للإبقاء على الفلسطيني وبقائه فيه، وبالتالي بقي المخيم مثل الذاكرة الفلسطينية وسيظل جزء أساسيًا من السؤال الفلسطيني.

• وكيف تغيرت نظرتك للمخيم عندما كنت صغيرًا وبسفرك للعيش في إحدى العواصم الأوروبية؟
المخيم بذاكرة كل فلسطيني أشبه بمرآة لذاته ووعيه وطفولته، فهو مكان طارئ من أجل العودة الأبدية، ولكن هل بقي المخيم يعيش معنا في أماكن اللجوء وفى العواصم الأوروبية؟ سنكتسف أن المخيم يعيش في ذاكرة كل فلسطيني، ففى شقته في أوروبا سنجد تفاصيل المخيم، فهو يحن إليه ولا يقبل بأى شكل من الأشكال فكرة التوطين.. وعلى الرغم من مآسي اللجوء والشتات والمنافي نبدع مشروعًا جماليًا خلاقًا ضد المحتل، بما في ذلك كوننا نقدم مشروعًا دبلوماسيًا ناهضًا وحققنا كثيرًا من الانتصارات، ومنها رفع علم فلسطين في الأمم المتحدة واعتبارها عضوًا مراقبًا في الأمم المتحدة، وقرارات اليونسكو الأخيرة تجاه القدس بأنها أرض محتلة، ولا وجود لأي علاقة تاريخية لليهودي المحتل عليها، وعلى العالم أن يعترف بأن الفلسطينى شريك أساسي في الحياة، يقاوم ممارسات المحتل الإسرائيلي الذي يمثل أبشع صور الاحتلال والبرابرة الجدد.

• كيف تقرأ قرار «المصالحة الفلسطينية»؟
مازلنا نؤكد أن لا وجود للدولة الفلسطينية دون غزة ولا دولة فلسطينية دون عاصمتها الأبدية القدس الشرقية، فالوطن متكامل ولا يمكن التعاطى معه مجزءً، وعلى من شقّ الصف الفلسطيني أن يعود إليه، وبالتالي يجب عودة غزة إلى حضن الشرعية الفلسطينية، وهذه مسائل لا مساس بها، لأنها مطلب فلسطينى، وعربى ودولي أيضًا، طالما أن الانقسام هو مطلب إسرائيلي لا شك.. ولم يعد يخفى على أحد أن للرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن موقف واضح تجاه المصالحة، وقد قدم كل الدعم والجهود من أجل تجسيدها، وأرى أن كل المعطيات تخدم هذا القرار خصوصًًا بعد المجهودات الكبيرة التي قدمتها الشقيقة الكبرى مصر مشكورة من أجل إنجازها وتحقيقها.

• كنت قد زرت القاهرة في عام 2013 بعد الثورة.. ففى وجهة نظرك هل حققت «ثورات الربيع العربى» أهدافها.. وكيف تغيرت القاهرة عن آخر زيارة لك؟
لمصر مكانة استثنائية عند كل عربى، والاستقرار والأمن في مصر يترك ظلاله على المنطقة كاملة، ولا شك أن الدور المصري اليوم رئيسي ولا غنى عنه في تسوية ملفات المنطقة سياسيًا ووفق القانون الدولي، خاصة ما تعلق بمحاربة الإرهاب الدولي. 

أما ثورات الربيع العربى، فقد أظهرت أنها ثورات خريف عربى وشتاء عربي قارس، فلا يمكن لأى ثورة على الأرض إلا أن تقدم بديلًا إيجابيًا، وهذه الثورات لم تأت ببديل ولم تحقق الطموحات والشعارات التي طرحتها.. وحين جئت إلى القاهرة في 2013 لم تكن على صورتها الآن، فاليوم مصر هي الأقوى، ولها الدور الحاسم في تسوية الملفات على المستوى الإقليمى، بما في ذلك ملف القضية الفلسطينية، وذلك على أساس مبادئ القانون الدولى والشرعية الدولية، فمصر على مدى التاريخ تلعب هذا الدور الإيجابي المهم ليس فقط على مستوى المنطقة العربية ولكن في محيطها الأفريقى والدولي، وفى منظمة الأمم المتحدة وغيرها، وأؤمن أنه لا يمكن النهوض بالمنطقة العربية على كل الأصعدة، وتسوية ملفاتها خاصة الشائكة دون مصر الشقيقة، وهذا ما يؤكده التاريخ على الدوام.
Advertisements
الجريدة الرسمية