رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ليلة الجمعة


هي أهم ليالي الأسبوع لما لها من خصوصية عند المصريين في الريف والحضر، ربما لأنها تفضي إلى إجازة.. فلن تضطر إلى الاستيقاظ مبكرًا للذهاب إلى العمل، وربما لأنها تشهد لمًا لشمل الأسرة التي تشتت أفرادها طوال الأسبوع بحكم العمل، وربما لأنها الليلة الوحيدة التي يجد فيها الزوج متسعًا من الوقت للتحدث مع زوجته والاقتراب منها بعد أن حال انشغاله بالعمل طوال الأسبوع دون النـظر إليها حتى أصبح ينطبق عليه قول الشاعر:

وأشد ما لقيت من ألم الجوي قرب الحبيب وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول

وتلك الأهمية التقليدية لليلة الجمعة عند القطاع الأكبر من المصريين في الريف.. وطوال نهار الخميس.. إذا وجدت مجموعة من الفلاحين في الحقول يهمسون ويتبادلون الضحكات.. فاعلم أن حديثهم ينصب على الاستعداد الخاص لهذه الليلة، حتى إن شعورهم بأنهم ذاهبون إلى التحدث مع زوجاتهم في الليل يجعلهم أكثر إنجازا للعمل.. وإذا وجدت مجموعة من العمال يشترون بعض لوازم البيت وهم في طريق العودة.. فتلك استعدادات مختلفة لهذه الليلة.. أما في البيوت فنجد النساء يستيقظن مبكرًا للذهاب إلى السوق الذي عادة ما يكون يوم الخميس لشراء مستلزمات ليلة الجمعة وباقي أيام الأسبوع، حتى نوعية الطعام لابد أن تكون مختلفة، فإذا كان مقررًا يومًا في الأسبوع للحوم أو الطيور فهى ليلة الجمعة.

أما «الحلاقون» فنجد محالهم مكتظة بالفلاحين بعد عودتهم من الحقول، وتلك عوامل مساعدة لاستعدادات هذه الليلة، وقد اعتدنا في الريف ونحن في طريقنا إلى المسجد لصلاة الجمعة أن نأخذ حذرنا حتى لا «نتزحلق» في الماء والصابون الذي لم تجد النساء مكانًا له سوى رشه أمام المنزل في سنوات لم يكن الصرف الصحى طال فيها القرى والنجوع، وكان الكبار يبتسمون كلما وجدوا منزلا على أعتابه الماء والصابون الذي كان يرش خلسة من خلف الباب.

والوضع في الحضر بالنسبة لليلة الجمعة لا يختلف كثيرًا في الاستعداد له عن الريف، وربما كان الاختلاف الوحيد في الشكل، فالفسح مؤجلة طوال الأسبوع لهذه الليلة، وصالونات الحلاقة لا تختلف في زحامها عن محال الكوافير، حتى عمال اليومية تجدهم خاضعين لأنامل الحلاق على النواصى وأسفل الكبارى، تلك هي أهمية ليلة الجمعة التي نتحدث عنها سرا أو نخجل من البوح بها علنًا.

لذلك كانت حالة الاحتقان تجاه الحكومة لأنها دأبت في الفترة الأخيرة على اتخاذ قرارات زيادة الأسعار ليلة الجمعة، وكأن هناك تعمدا لتعكير صفو المواطنين في هذه الليلة، وقد انعكست تلك القرارات سلبا على طقوس ظلت راسخة طوال عقود مضت، فالأب الذي ينتظر لقاءه بأسرته طوال الأسبوع.. انصرف عنهم بالتفكير في تدبير نفقات المعيشة بعد الزيادة، والأسرة التي كانت تنتظر أبناءها في هذا اليوم.. أصبحت تخشى وصولهم لأنه مرتبط باستقطاع جزء من الراتب لهم، والزوج الذي يجد في هذه الليلة فرصة للاقتراب من زوجته والتحدث معها.. انشغل فكره بالزيادة فحط بهمومه على همومها وجلسا يدعوان على الحكومة التي أفسدت طيب وقتهما، وأصبحا يقضيان ليلتهما في عمليات الجمع والطرح والضرب ووضع الخطط التي تمكنهما من إنفاق المرتب دون سلف أو اقتراض..

الأسبوع الماضى صرحت الدكتورة غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى أنها تبحث كيفية مواجهة الخصوبة الزائدة عند سيدات الصعيد، في محاولة منها لوضع حد لمشكلة الزيادة السكانية، وإذا كانت الوزيرة تفكر بهذه الطريقة.. فالحكومة التي تنتمي إليها تفكر في نفس الإطار، لذلك تعمدت إصدار كل القرارات الخاصة بزيادة الأسعار ليلة الجمعة للتنكيد على المواطنين وشغلهم بالتفكير في تدبير أمور معيشتهم، وإثناء الأزواج عن مجرد التفكير في الاقتراب من زوجاتهم أو الانفراد بهن، وبهذه الطريقة التي تتسق وأفكار غادة والي.. تستطيع الحكومة الحد من الزيادة السكانية.
basher-hassan@hotmail.com
Advertisements
الجريدة الرسمية