رئيس التحرير
عصام كامل

الإسلام الأمريكي


بعد لحظات قليلة من مذبحة "لاس فيجاس" أعلنت داعش مسئوليتها؛ ولأن الفضيحة كانت واضحة ولا تحتاج لمجهود كبير لاكتشافها خرجت السلطات الأمريكية تؤكد أنها لم تعثر على أي دليل بين مرتكب المجزرة ستيفن بادوك وأي جماعة مسلحة، وذهبت تبرر أن الجريمة تم تنفيذها باحترافية عالية، وأن القاتل أعد عدته ولم يترك شيئًا للصدفة، بل راحت الشرطة الأمريكية تكذب تصريحات الرئيس ترامب من أن الجاني مختل عقليًا، وربما كانت تلك المرة الأولى التي تبدو الجهة التي تدير حملة تشويه الإسلام والمسلمين فاشلة ومتسرعة لم تلعبها باحترافية كما عودتنا عقب كل عملية إرهابية بنسبها لأي تنظيم له سمة إسلامي، وإن كان الجاني من أصول غربية قالوا عنه مجنون وإن قبضوا عليه لا نعرف أي تفاصيل عما جرى، وغالبًا ما يطوي الغموض الحادث بعد إغلاق الملف بنحر الجناة وأحيانًا الشهود.


ورغم أن الكل يعلمون الآن أن كل التنظيمات الإرهابية هي صناعة أجهزة المخابرات الأمريكية والغربية، استخدمتها في حروبها بالوكالة عبر العالم، فهي التي أنشأت تنظيم القاعدة لمحاربة السوفيت في أفغانستان ومولته عبر النفط الخليجي ودرّبته في معسكرات باكستانية، لذا كان غريبًا وعجيبًا أن تتهم القاعدة بتنفيذ أحداث ١١ سبتمبر، وإن كانت هناك تحليلات جديدة تتهم السوفيت بإعادة تدوير القاعدة للانتقام من الأمريكان، وبغض النظر عن التفاصيل فإن  أسلوب داعش في تنفيذ عملياتها الإجرامية باحتراف وخاصة في عمليات الإعدام واستخدام أساليب غريبة مثل الحرق ووضع الضحايا في أقفاص حديدية وإغراقهم، ويبدو من أسلوب التصوير والإخراج وملابس الضحايا البرتقالية وكلها تفاصيل من صناعة أجهزة متخصصة لبث الرعب في نفوس المتلقين حتى تكون الهزيمة مجانية وبدون مقاومة، وثانيًا كرصيد لتلك المنظمات عند استخدامها بما يوحي بقدرتها على القيام بأي عملية مهما كانت معقدة وفي أي مكان بالعالم..

وسبق ذلك التمهيد الفلسفي بنظريتي صدام الحضارات ونهاية التاريخ بحكم أن الدين في أمريكا جزء من العقيدة السياسية والعسكرية وفقا لنظرية "هرمجدون" بإبادة ثلثي وخاصة المسلمين كي يتسنى عودة يسوع، وبزعم أنها هي التي ستحمي المسيحية وتحافظ عليها بعد أن تتحول أوروبا لولايات إسلامية نتيجة الهجرة، وبعض التسامح الأوروبي مع المسلمين، وهو ما أكده "برنار لويس" ونتيجة ذلك سعت واشنطن لتخليق إسلام على الطريقة الأمريكية..

وكان أن أعطت أردوغان تركيا توكيلا لتلك المهمة باختراع الربيع العربي وإيصال جماعات الإسلام الأمريكي للسلطة، وهو ما فشل بامتياز مما دفع واشنطن لمحاولة التخلص من الوكيل التركي، بالانقلاب الفاشل عقابًا له على هزيمته في معركة التشويه الذاتي للإسلام بأيدي أبنائه، لتسقط أهم مبررات الحرب العالمية الثالثة (حرب الإرهاب)، بتقديم الإسلام وأتباعه على أنه دين عنف ودماء وإرهاب ولا مكان فيه لحقوق الإنسان أو الاعتراف بالآخر، وكل ذلك ربما يكون مفهومًا عند الغرب والأمريكان، ولكن غير المفهوم تلك الفوبيا من كل ما هو إسلامي لدرجة أن أحد السفهاء اتهم خصمًا له بأنه من المترددين على صلاة الفجر بالمسجد يوميًا، ثم كان الخلط المتعمد بين المسلم والإخواني، وبين الإسلام نفسه وجماعة الإخوان، وتمرير خبيث إن أي مسلم ملتزم هو بالضرورة إخواني ومشروع إرهابي، بما يمنح الإخوان قيمة وقدرًا لا يستحقونه، وبات مصطلح "امسك مسلم" مرادفا لـــ"امسك إخواني"، ولم يعد هناك فرق وخاصة عند عقول الجموع الهادرة التي تستسهل التفسيق والتخوين بأروع تطبيق لنظرية الإسلام الأمريكي في زمن اختلط فيه الحق بالباطل.
الجريدة الرسمية