رئيس التحرير
عصام كامل

البطل أحمد إدريس.. وشهادة جولدا مائير !


"ليس أشق على نفسى من الكتابة عن أكتوبر 1973.. حرب يوم الغفران.. ولن أكتب عن الحرب من الناحية العسكرية فهذا أتركه للآخرين، ولكنى أكتب كارثة ساحقة، وكابوس عشته بنفسى، وسيظل باقيا معى طوال العمر!"، هكذا كتبت رئيسة وزراء الكيان الصهيونى في كتابها "حياتى".


وفى نفس الكتاب حاولت الدفاع عن وزير دفاعها المهزوم موشى ديان، بعد أن نالته سهام اتهامه بالتقصير من الجميع، المرافقة الغريبة أن هذا البلطجى عندما تحقق له النصر في معركة يونيو 67 كان مغرورا، ولكنه أبدى حزنه لأنه انتظر على التليفون حتى يتصل به "ناصر" معلنا الاستسلام ولم يحدث، وعندما عبرت قواتنا المسلحة قناة السويس في ظهر العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر، ونال هزيمة تتحدث عنها المراكز البحثية العسكرية حتى الآن، لم يكن حزينا فقط ولكنه فقد كل شىء، وانتهى للآبد.

الحقيقة كل عام تأتى ذكرى الانتصار ولا أرى صورة أو رؤية علمية لهذا الحدث التاريخى، لأنه ليس مجرد معركة حقق الجيش المصرى نصرا فيها، ولكنه قلب كل قوانين المعادلة السياسية والعسكرية في العالم، وتغيرت صورة المقاتل المصرى، وتغير الفكر العسكري في العالم، ووضع الأمر لأول مرة في نصابه، ويشعر الكيان الصهيونى أن هناك قوى عربية بقيادة مصر يمكنها أن تواجهه وتهزمه، ولولا تدخل الأمريكان في حرب أكتوبر، لوصلت القوات المصرية إلى تل أبيب!

ومع هذا نرى بعض اللقاءات الساذجة والمعادة والمكررة، مع أبطال أتصور أن البعض منهم زهد هذه الحوارات المملة، والتي تفتقد الإعداد الجيد لها، وكثيرا المقدم لا ثقافة له لديه ولا وعى، والأداء مجرد إثبات حالة للأسف الشديد!

ثم الأمر المهم للغاية هو ترسيخ الانتماء للأطفال في المدارس والشباب في الجامعات، ونشر روح الأمل والإرادة في المجتمع، لأن نكسة 67 كانت أكبر ضربة ليس للقوات المسلحة وإنما في المجتمع، وأحلامه، وثقته في قدرة قيادته، ومع هذا تم إعداد القوات المسلحة، وبالتالى نأخذ العظة والاعتبار من السنوات الست التي سبق انتصار حرب أكتوبر!

اليوم سأذكر قصة بطل لا يعرفه إلا القليل النادر، هو الحاج أحمد إدريس!؟ من يعرفه!؟ كم مرة تم استضافته في إعلامنا المتخلف الجاهل؟! إنه البطل الذي حل أصعب المشكلات التي واجهت جمال عبدالناصر أثناء حرب الاستنزاف، وهى الشفرة التي يتم استخدامها في الحرب، فشلت مصر في إيجاد شفرة لا يستطيع العدو الصهيونى التعرف عليها، حتى سمع الصول أحمد إدريس - النوبة مسقط رأسه - المشكلة من قائد كتيبته، فتحدث قائلا: إن حل المشكلة سهل للغاية، وسأله قائده فأجاب: اللغة النوبية هى لغة نتحدث بها ولا تكتب!

تقدم قائد الكتيبة بالفكرة إلى أعلى قيادة فإذا يتم استدعاء الصول أحمد ادريس ابن النوبة من رئاسة الجمهورية، ويقول عم الحاج أحمد إدريس عن هذا: انتظرت في مكتب الرئيس السادات الذي كان قد تولى رئاسة الجمهورية، وكان ذلك في عام 1971، وكنت ارتجف من الخوف والرعب، فلأول مرة سالتقى رئيس جمهورية، وعندما دخل الرئيس السادات، شعر بارتباكى، فابتسم ووضع يده على كتفى لإزالة التوتر! ثم قال: فكرتك ممتازة.. ولكن كيف ننفذها؟!

فقلت:لابد من جنود يتحدثون اللغة النوبية، وهؤلاء موجودون في النوبة، وحاليا متوفرون بقوات حرس الحدود! فابتسم السادات قائلا: بالفعل كنت قائدا بقوات حرس الحدود وأعرف جنودا كثيرين في هذا السلاح!.. ولا ينسى البطل أحمد إدريس أن الرئيس السادات طالبه بعدم الإفصاح عن هذا السر، وهدده بالإعدام لو أخبر به أحدا!.

وكانت فكرة عبقرية من ابن تراب مصر أحمد إدريس ونجحت نجاحا مذهلا، وظلت سرا حتى عام 1994 وتم تغيير شفرة القوات المسلحة! ومثلما كانت الفكرة العبقرية للضابط المهندس باقى زكى يوسف ابن تجربة السد العالى الذي اهتدى إلى استخدام المياه في اختراق السواتر الرملية، ليثبت دائما وأبدا عبقرية المقاتل المصرى في مواجهة الصعاب!

في الوقت الذي نتحدث بكلام مكرر فإن الغرب لا يزال يتحدث عن بطولتنا الفذة، فمثلا الميجور الإنجليزي جنرال هوكلى قال: إن عبقرية ومهارة القادة والضباط والجنود المصريين هما الإنجاز الهائل لحرب أكتوبر، كان العنصر البشرى أقوى أسلحة الجيش المصرى"!.. ويؤكد الكولونيل الأمريكى دوبجى: كفاءة التخطيط والأداء للعبور حيث لا يمكن لجيش آخر أن يفعل أفضل منهما!.

لابد من الاستفادة من حرب أكتوبر، فهناك إنجازات حدثت وظروف صعبة شهدتها الحرب، يجب أن يقتدى بها الجميع، خاصة أن حرب أكتوبر تعد أكبر حرب في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، فحتى يومنا هذا لم نجد حربا بهذا النطاق وبهذا الحجم "هذا ما يقوله اللواء محمود خلف أحد أبطال قوات الصاعقة خلال الحرب، ويردده كل وطنى ينتمى لتراب مصر أم الدنيا!.

الجريدة الرسمية