رئيس التحرير
عصام كامل

أمريكا: إرهابي لاس فيجاس ليس إرهابيًا


ستيفان بادوك ذو الـ64 عاما، والذي قتل 59 شخصا، وجرح 527 ليس إرهابيًا، هكذا قررت الولايات المتحدة الأمريكية رسميًا. الإرهابي الذي اصطحب معه في الجناح الذي استأجره بالطابق الثاني والثلاثين في فندق "ماندالاي باي أوتيل" بلاس فيجاس ما يزيد على 23 سلاحا مختلفا في غرفته– وفقا لشبكة "الإيه بي سي" الأمريكية- معظمهم بتلسكوب ليس إرهابيًا.

 الإرهابي الذي وجدت الشرطة الأمريكية في سيارته مسحوق "نيترات الأمونيوم" والذي يستخدم لإعداد المتفجرات ليس إرهابيًا. الإرهابي الذي ارتكب أكبر جريمة قتل جماعي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ليس إرهابيًا. الإرهابي الذي فتح النار من غرفته في الفندق التي تقع بالطابق 32 على مواطنين أبرياء -حضروا للاستمتاع بحفل موسيقي في منطقة مفتوحة يتجاوز عدد الحاضرين فيها 22 ألف شخص حسب تقديرات شبكات التليفزيون الأمريكية– ليس إرهابيا.

الحادث الذي هز الولايات المتحدة والعالم ليس حادثا إرهابيا، ليس فقط لأن الرئيس الأمريكي لم يصفه خلال كلمته للأمريكيين أمس بالإرهاب، حيث وصفه بأنه عمل "شيطاني محض" Pure Evil ولكن الإرهاب يجب– وفقًا لتعريف الـ "إف بي أي" في الولايات المتحدة يجب أن يستهدف الحكومة وتكون أهدافه سياسية، أو اجتماعية، أو دينية. تعريف الولايات المتحدة للإرهاب لا يتضمن القتل الجماعي حتى لو حصد القاتل أرواح آلاف الضحايا.

الإرهاب تعبير قاس يهدف لنشر الذعر في نفوس من يستهدفهم، لكن نشر الرعب وإرهاب الناس ليس كافيا لوصف من يقوم بالجرم الإرهابي، بأنه أو بأنها إرهابي أو إرهابية. تختلف الدول في تعريفها للإرهاب، لأن ذلك يناسب الدول بدرجة أكبر، ويمنحها الحق في وصف بعض الأعمال بالإرهابية وغض البصر عن أعمال أخرى. حتى إن الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تستطع أن تتوصل مع الدول الأعضاء لاتفاق لتعريف الإرهاب. فالاجتماع الرابع للجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 أكتوبر 2005 أكد اتفاق الدول، أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، على تبنى مصطلح "الإرهاب"، ولكنه أكد أيضا أن الدول لم تتفق على تعريفه ومكوناته.

ماكينة الدعاية الأمريكية وعلى رأسها شبكة "فوكس الإخبارية" لم تتساءل أمس عما إذا كان العمل الذي قتل 59 شخصا وجرحا 527 إرهابيا ولكنه ركز على "الإنسانية التي ظهرت واضحة في مساعدة الجميع في نقل الضحايا إلى المستشفيات وروح التعاون والتضامن التي صاحبت هذا الحادث الأليم. ولأن الرئيس الأمريكي استخدم مصطلح "الإنسانية" في كلمته، فكان على ماكينة الدعاية الأمريكية أن تزن على آذان الأمريكيين كعادتها، وأن تجعلهم ينسون فكرة أن ستيفان بادوك إرهابيا.

صحيفة "النيويورك تايمز" الأمريكية أشارت في تقرير لها إلى تجنب الرئيس الأمريكي وصف الجريمة "بالإرهابية". التقرير لخص رؤية المتابعين للسياسية الأمريكية وشرحوا لماذا لم يتم وصف ستيفاني بادوك بالإرهابي.

 قالت صحيفة النيويورك تايمز: "وفقا لرؤية المتابعين للسياسة الأمريكية، فإن بادوك شخص كبير في السن، أبيض، ليس مسلما وخلفيته الدينية ليس لها علاقة بالإسلام، مما يجعل من الصعب وصفه بالإرهاب، وحتى وإن ظهر لاحقا أن الحادث له خلفيات سياسية".

"الخلفية السياسية" التي تقصدها صحيفة النيويورك تايمز هي أن يكون للإرهابي أهداف سياسية داخلية كأن يكون ديمقراطيا أو من المعادين لسياسات ترامب مثلا، أو ينتمي إلى جماعة أو فكر ما. ففي رؤية هؤلاء المتابعين للسياسة الأمريكية، لن يكون ذلك كافيا لوصفه بالإرهاب، أو دعونا نقول بتعبير آخر إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تصف الجرم البشع الذي قام به الإرهابي ستيفان بادوك بالإرهاب لأنه ليس مسلمًا.

هناك الكثير من شبكات التليفزيون الأمريكية التي قالت إن "ستيفان بادوك" قام بعمل إرهابي. شبكة الـ"سي إن إن" قالت في بداية تقريرها عن الحادث: "إن ستيفان بادوك، الذي أطلق الرصاص، وأرهب الآلاف من الحاضرين إلى الحفل الغنائي كان لديه ترسانة أسلحة في غرفته بالفندق، ومنزله يبعد 80 ميلا عن مكان الحادث.

على شبكات التليفزيون الأمريكية إذن –أن تعتذر لعائلة الإرهابي– لوصفها جريمته بالإرهاب، فستيفان بادوك الذي قتل 59 شخصا من الأبرياء، وجرح ما يزيد على 500 شخص آخرين، ليس إرهابيا. من المؤسف أن تؤكد حكومة الولايات المتحدة مجددا خطاب الجماعات الإرهابية، والذي يؤكد أن أمريكا تصف فقط المسلمين بالإرهاب.

ما قام به "ستيفان بادوك" هو عمل إرهابي –لدى كل ضمير إنساني– وسواء وافق ترامب وحكومته ومؤيدي سياساته أم لا يوافق – سيصف أصحاب الضمائر الإنسانية الذين لا يملأ صدورهم الحقد والكراهية– ستيفان بادوك بالإرهابي، لأنه اعتزم وخطط لإرهاب الآلاف وقتل أكبر عدد ممكن من الضحايا.
الجريدة الرسمية