رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

زحام القاهرة مفرمة المصريين.. «تقرير مصور»

فيتو

أصبح الخروج من باب البيت حملًا ثقيلًا، فكلما تسللت إلى الذهن صورة الشوارع وهي تعج بأعداد هائلة من البشر، يسيطر على النفس شعور بالضيق.. ويزداد هذا الحمل ثقلًا مع دخول المدارس والجامعات، ومع الإصلاحات والتحويلات المرورية التي لا تنتهي، فيصبح قرار النزول والذهاب إلى العمل أو قضاء مصلحة مع ساعات الصباح الأولى من القرارات التي تتطلب المزيد والمزيد من التفكير العميق، فالشوارع مع "صباحية ربنا" تبدو وكأن الـ٩٥ مليون مصريًا يخرجون معًا في التوقيت ذاته كالفراش المبثوث.



مع كل صباح أصبح النظر إلى تاريخ اليوم عادة للكثيرين، لا لتذكر مناسبة أو لعد أيام العمر عدًا، لكن فقط لتحديد أي يوم نحن، فكل يوم في القاهرة له حساباته الخاصة، فالجمعة والسبت على سبيل المثال هي الأيام الأجمل التي يمكن للمرء أن يرى فيها شوارع القاهرة في حلة مختلفة، ويأتي الأحد صادمًا بعد هدوء سابقيه، أما الإثنين فـ "أجارك الله"، أكثر أيام الأسبوع اختناقًا وتكدسًا، والثلاثاء والأربعاء والخميس عادة ما يمرون مرور الكرام في زحام معتاد تخفف الركاب من ضيقه بعد مرورهم بتجربة يوم الإثنين، وهكذا تعاد الكرة في ثبات موجع.


بمجرد النزول إلى الشارع تبدو الأعداد الهائلة من المصريين في شوارع العاصمة صباحًا في صورة كفيلة بأن تمنح من يراها من الغرباء فكرة أننا قوة بشرية يمكنها أن "تهد الكون"، أطفال وسيدات وشباب وعجائز من كل الفئات، يبدو وكأنهم في سباق مع الزمن للوصول إلى وجهة ما.


إن كنت مدركًا تمامًا لحقيقة أن اليوم سيكون هو الموعد الرسمي للزحام الخانق، وحتى وإن كنت التزمت بالاستيقاظ مبكرًا، فيجب أن تقتنع بأنك ستواجه أزمات عدة لحين وصولك إلى وجهتك بسلام، فإن كنت من ركاب السيارات الملاكي فما عليك إلا أن تتحايل على الطرق المعتادة وتعتمد على الطرق المختصرة لكي تصل إلى وجهتك، فالزحام يسيطر على الأجواء.


أما إن كنت تفضل أن تخوض معركة المواصلات، فأول قواعد الركوب في أوقات الذروة والزحام أن تملك نظرة ثاقبة قاردة على لمح الأماكن الشاغرة في الأتوبيسات أو الميكروباصات التي يتلاصق فيها الركاب، ويتحملون ضوضاء "كاسيت" السائق التي تطغي على ضوضاء الطريق.

وإذا وجدت مكانًا في أحد الأتوبيسات فهنيئا لك الهروب من زحام الشارع والسيارات الذي هو أقرب لمشهد السيارات المتصادمة إلى "زحمة" الأتوبيس، حيث البشر المتلاصقين والمتحملين قهرا الحر، والمتمايلين من الحين إلى الآخر في استجابة لا إرادية لألاعيب السائق بالأتوبيس بين الزحام.


أول قواعد التعامل مع زحام الأتوبيس هي الوقوف بجانب أحد الجالسين من الركاب على أمل أن تكون محطته قريبة، فعند نزوله يكون الكرسي من حقك بالضرورة، وعادة ما تختفي في ظل هذا الزحام كل مع هو متعارف عليه من رحمة وشهامة، فالكبير في السن ينتظر دوره تماما كغيره، ليصبح عادة حجز كرسي فوق أي اعتبار إلا ما ندر.


والمتأمل للأتوبيس من الخارج يمكنه أن يدرك تمامًا حال ركابه وسط هذا الزحام، فالحزن والبؤس باد على الوجوه، والحر وآثار الزحمة المحيطة بهم تنعكس على ملامح كادت أن تصرخ من "الزحمة".



قد تكون ذكيًا وتقرر أن تترك الطريق بزحامه وتهجره لتختار أسرع وسيلة مواصلات في مصر..المترو، لكن هيهات، سيصلك الزحام أينما كنت، فالمترو هو الخيار الأول للكثيرين من الأذكياء أيضًا مما يجعله في حقيقة الأمر "مفرمة" يركب فيها الناس بقوة الدفع وكذلك يخرجون.


أما طوال الرحلة فالركاب يفقدون الشعور بأجسادهم ويكونون مع بعضهم البعض كتلة واحدة، والناجي منهم بالطبع هو من حجز مكان للجلوس من أول الخط أو المحظوظ الذي أسرع بالجلوس مكان من قرر المغادرة.


الزحمة في كل مكان.. تحيطنا من كل جانب.. في الشوارع والميادين وعند منافذ البيع المتنقلة، حتى في الرءوس زحمة.. أفكار وهموم وحسابات ومشكلات، حمل أثقل الروح وجعل من المارة في الشوارع والركاب أشبه بكائنات "الزومبي".. أموات أحياء يسيرون بغير هدى، ولسان حالهم يقول: "آجي من هنا زحمة.. أروح هنا زحمة.. زحمة يا دنيا زحمة".
Advertisements
الجريدة الرسمية