رئيس التحرير
عصام كامل

تركيا لم تعد تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي؟


نعم، تركيا بالفعل لم تعد تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي.. وهذا ما أكده رجب طيب أردوغان أمس، وهذا ما تؤكده كل الظروف السياسية في تركيا منذ أزمة الانقلاب الفاشل يوليو 2016.. وهذه المحاولة الانقلابية الفاشلة كلفت الأتراك 249 قتيلا وآلاف الجرحى، ناهيك عن عمليات الملاحقة الأمنية في صفوف العسكريين، العلماء، الصحفيين، المصرفيين والقضاة، والتي أحدثت انقساما كبيرا داخل المجتمع التركي.. فهناك قطاع من الشعب التركي اضطر للاختباء والصمت، وقطاع عريض آخر توحد ضد كل المؤامرات الغربية بقيادة الولايات المتحدة ضد تركيا.


- والدليل على دعم محاولة الانقلاب التركي من قبل الدول الغربية وأجهزة مخابراتها، هو أنه قبل الانقلاب في تركيا بعام، كانت هناك العديد من العمليات الإرهابية في تركيا : 12 عملية إرهابية في غازي عنتاب وإسطنبول وأنقرة وغيرها من الأماكن.. وبعد ذلك عملية اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف في أنقرة في 19 ديسمبر 2016.. وقبل كل ذلك في نوفمبر 2015، تم إسقاط الطائرة الروسية سوخوى بواسطة الدفاعات الجوية التركية.

فالغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية يريدون التخلص من رجب أردوغان بسبب نديته لهم وبسبب تقاربه الدائم مع الروس، مما جعلنا نرى إسقاط الطائرة الروسية السوخوى عن طريق بعض جنرالات الجيش التركي والذين اشتركوا في العملية الانقلابية بعد ذلك، وجعلنا نرى محاولة الانقلاب والتخلص من أردوغان شخصيًا، وبعد ذلك مقتل السفير الروسي أمام الكاميرات.

ولكن كل من وقف مع محاولة الانقلاب ضد أردوغان قد خسر، فبدلا من تخلص الولايات المتحدة من رجب طيب أردوغان خسرت كل عملائها في الجيش التركي وأجهزة الحكم في تركيا عمومًا، وبعد عملية الاستفتاء الذي أجرى في وقت لاحق الذي أعطى أردوغان سلطات واسعة للتنكيل بمن يريد (وهذا رأيناه في عمليات القبض والعزل في قطاعات الحكم في تركيا سواء عسكريين أم مدنيين) وذلك برغم أن قطاعا كبيرا جدًا من الأتراك كانوا مع التخلص من حكم أردوغان.

إن مسألة طول فترة مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي منذ العام 2005 وحتى الآن دفعت رجب طيب أردوغان بتحويل وجهته إلى الشرق(روسيا والصين) وهذا التحول رأيناه في حديث رجب طيب أردوغان في نوفمبر 2016 عندما قال "لم لا تنضم تركيا إلى "منظمة شنجهاي للتعاون" قلت هذا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولرئيس كازاخستان نزارباييف"، مضيفًا أنه في حال انضمت تركيا إلى المنظمة "فإنها ستتمكن من التصرف براحة أكبر".

فتركيا بعد كل المحاولات الغربية للإطاحة به أو لا بالتخلص من العلاقات التركية-الروسية أدركت تركيا-أردوغان أنه لا يمكن العيش بعد ذلك تحت مظلة الأطلسي وأوروبا، وأن يجب على تركيا أن تأخذ مكانها في أوراسيا (الصين، إيران وطبعا روسيا).. فالحديث الآن ليس فقط مسألة تخلي تركيا عن فكرة الانضمام للاتحاد الأوروبي، ولكن هناك احتمالية ولو ضعيفة بخروج تركيا من حلف شمال الأطلسي.. فالجيش التركي قام بعملية عسكرية مع الجيش الروسي ضد داعش في سوريا، وهناك تنسيق دائم بين روسيا-تركيا-إيران في سوريا، مما أدى إلى عمليات إقامة مناطق آمنة في سوريا بضمانات الدول الثلاث.. فتركيا رفضت التعاون العسكري مع الولايات المتحدة في سوريا وفضلت أن تتعاون مع الجيش الروسي.. فالجيشان الروسي والتركي لديهما مهام واحدة وهي الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والعمل على عدم إقامة دولة كردية في الشمال السوري.. أما الولايات المتحدة ودعمها العسكري غير المحدود لأكراد سوريا يعزز احتمالية تقسيم سوريا.

استحالة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وإمكانية انسحاب تركيا من حلف شمال الأطلسي يؤديان إلى إقامة حلف أوراسي قوى يضم كلا من (روسيا، تركيا، إيران والدول الأخرى الواقعة في هذا المحيط الجغرافي).
الجريدة الرسمية