رئيس التحرير
عصام كامل

ذكرياتي في حرب أكتوبر


تمر الأيام والليالي والسنين وتختفي معظم الذكريات والأحداث ولكن هناك أحداث وذكريات لا ولن تنسى، ومن هذه الذكريات وتلك الأحداث حرب أكتوبر المجيدة ٧٣ والتي مر عليها الآن أربعة وأربعون عام، أتذكر يوم تخرجي والتحاقي بسلاح المهندسين في يوليو ٧٣ قبل الحرب بثلاثة شهور وإلحاقي بالجيش الثاني الميداني، وكنت كأبناء جيلي الذين عاشوا مرارة نكسة ٦٧ بين اليأس والأمل، اليأس من أن نحارب ونسترد كرامة مصرنا الحبيبة والأمة العربية والأمل في أن نحارب وننتصر ونسترد كرامتنا، وبحكم الوطنية الجياشة التي كانت تملأ قلبي وصدري وحمية الشباب الذي يعاني من مرارة الهزيمة والانكسار عندما علمت أني سأعمل ضمن قوات الجيش الثاني الميداني غمرتني الفرحة والسعادة وكدت أطير من الفرحة.


توجهت إلى الإسماعيلية حيث الوحدة التي سأعمل بها قابلني قائد الوحدة الصعيدي البطل العقيد محمود عباس العطيفي رحمه الله قابلني بحرارة شديدة وقال أهلا بك يا بطل بين أفراد السرية، وبمجرد وصولي عينت قائدا لفصيلة النقل الثقيل الفنية وكانت هناك بعض المعدات بها أعطاب وكانت الإمكانات قليلة وبالرغم من ذلك تم إصلاحها وفي خلال شهر تقريبا كانت كل المعدات صالحة وجاهزة للعمل، ولا ولن أنسى رجولة الجندي المصري وعقلية من كان معنا من الفنيين، وأذكر أني سألت سيادة العقيد القائد وقلت له يافندم هل هناك أمل في أن نحارب، فأجاب نعم سنحارب، فقلت له اسمح لي يافندم سمعنا هذا كثيرا من الرئيس السادات فتبسم في وجهي وقال إن مصر لا ترضى بالهزيمة والإنكسار ولن نترك ثأرنا من الصهاينة الملاعين المهم إحنا نكون جاهزين.

ومضى قرابة الشهرين على قدومي وإلتحاقي بالجيش الثاني وكنا نعمل ليل نهار وفي مساء الخامس من أكتوبر بعد طابور العشاء صدر أمر من السيد القائد بجمع جميع أفراد السرية ضباط وصف وجنود، فاجتمع بنا قائد السرية في إحدى الهناجر وطلب منا الاستعداد للتحرك إلى الخطوط الأمامية وأخبرنا أننا سنحارب وسنقاتل وسوف نسترد كرامتنا وأقسم لنا على جدية الخبر، وهنا زرفت الأعين بالدموع فرحا بالخبر وتعالت الأصوات بالتكبير تلقائيا وأخذ كل منا يعانق الآخر وكأننا نحلم، وفي أقل من ساعة كنا جاهزين للتحرك مزودين بشدة ميدان كاملة وتحركنا في العاشرة مساء ووصلنا إلى معسكر القرش ولم ننم في هذه الليلة وفي صباح اليوم الثاني السادس من أكتوبر وفي الساعة الثانية انطلقت قواتنا الجوية معلنة بدء المعركة وقامت بضرب الخطوط الأمامية ومطارات العدو واندفعت قوات الجيش الثاني والجيش الثالث في وقت واحد وتقدم سلاح المهندسين لإزالة الساتر الترابي والذي كان من أشد العقبات والموانع للعبور. 

وانطلقت المدفعية لتحطيم خط بارليف وهو أقوى مانع شهدته الحروب واختلط أصوات المدافع بأصوات التكبير وتحيا مصر وفي غضون الست ساعات الأولى تم تحطيم خط بارليف ونسف الساتر الرملي والذي كان ارتفاعه يقارب الخمسين مترا بطول الجبهات بعدما تخطينا الحاجز المائي وتعطيل مواسير النابلم التي كانت بداخله، ومما أتذكره ولن أنساه قوة المقاتل المصري وشجاعته وجلده وصبره وتحمله وأذكر يوم وضعت أقدامي على أرض سيناء الحبيبة وسجودي وزملائي شكرا لله على النصر وتحقيق الحلم الذي طال إنتظاره ست سنوات، وأتذكر زملائي الذين منحهم الله شرف الشهادة في سبيله والتي كنا جميعا نتمناها ونشوق إليها هذا ولا شك أن كان هناك تأييد وعون من الله تعالى فما كان النصر إلا بمدده وتوفيقه عز وجل. 

هذا وبمناسبة هذه الذكرى ادعوا لشهدائنا الأبطال الذين تعلمنا منهم الوطنية والانتماء وحب الوطن والفداء والتضحية في سبيله، هذا ولا يخفى علينا أننا الآن نخوض حربا شرسة مع أهل الشر أعتقد أنها لا تقل عن حرب أكتوبر المجيدة فهي حرب مصير نكون أو لا نكون، لذا يجب أن نتماسك ونتكاتف ونصبر ونتحمل وأن نتحلى بروح معركة أكتوبر، وعلينا أن لا نهن ولا نجزع ولا نضعف ولنستمد من انتمائنا لهذا البلد الطيب العزيز الروح والقوة، وإننا لقادرون بعون الله ومدده على المواجهة والنصر وهزيمة أهل الشر وقوى العدوان، وسلمت مصر، وتحيا مصر وكلنا لها فداء.
الجريدة الرسمية