رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. «خواتم الصباحية» تقليد أسيوطي لا يتأثر بارتفاع أسعار الذهب

فيتو

يعد يوم الصباحية الأسعد على الإطلاق في بعض قرى الصعيد، ففيه يحتفل الأهالي بالزواج، ويجتمعون لتقديم "النقوط والتحية" والتي عادة ما تكون قطع ذهبية، تفرح بها العروس أكثر من شبكتها؛ لكونها تحية من أهلها، لا يمكن لأحد التصرف فيها أو بيعها.


ورغم الارتفاع المستمر في أسعار الذهب في مصر، خلال الفترة الأخيرة، ووصول سعر عيار 18 لـ 549.45 جنيها، اليوم الثلاثاء، وعيار 21 لـ 641 جنيها، وعيار 24 لـ 732.55 جنيها، إلا إن التحية ضرورة لابد منها خلال مراسم الزواج بصعيد مصر خاصة بمحافظة أسيوط.

ورغم أن المحافظة تعد من أكثر محافظات الجمهورية فقرًا، حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلا إن ذلك لم يمنع الأسر والعائلات المختلفة المستوى من شراء الذهب "الشبكة"، وتقديمها قبيل مراسم الزفاف، وتخصيص يوم محدد يقوم فيه العريس بإلباس زوجته "الشبكة" ويوم آخر تتلقى فيه الزوجة نقوط أهلها.

"نقوط الصباحية وتحية الذهب" هدية العروس من أهلها تقليد صعيدى يلزم أفراد عائلة العروس من الدرجة الأولى والثانية بإهداء وتقديم القطع الذهبية لنجلتهم يوم الصباحية، على مرأى ومسمع من أهالي زوجها؛ لتستقر في منزلها الجديد مرفوعة الرأس حاصلة على 10 خواتم، وسلسلة على الأقل، حتى وإن كان ذلك يكلف ذويها الأموال الطائلة، ولكنه واجب وعرف لابد من تنفيذه لا يتأثر بغلاء المشغولات الذهبية.

العادات الموروثة والتقاليد المعهودة وما شهدته أسعار الذهب من ارتفاع، قد تدفع أهل العروسة إلى اقتراض الأموال لجلب هدية ونقوط نجلتهم والتي يتخطى سعر الخاتم الواحد هذه الأيام أكثر من 2000 جنيه، بينما تصل السلسلة إلى 4 آلاف جنيه، يتكفل بها والدها.

ورغم أن العروس تختار ما يعجبها من التصميمات الذهبية وفق المتفق عليه مع العريس مسبقًا، إلا أن أهل العروس يقدمون لها في الصباحية قطعا ذهبية أخرى؛ ليكون يوم الصباحية للعروس هو يوم الشبكة الثاني لها، ومن المتعارف عليه أن والد العروس يهديها سلسلة ذهبية، بينما تهديها والدتها أسورة أو "غويشة" أو قرط ذهبي، ويهديها إخوتها وأقاربها من الخلان والأعمام الخواتم، ابتهاجًا بزواجها.

وتلتزم العروس بأن تهدي حماتها خاتمًا في ذات اليوم، وذلك كنوع من المودة ومد جسر من الحب مع حماتها، ولا ينقطع أهل العروس عن شراء الذهب بانتهاء الزواج بل يعودون مجددًا لتقديمه كهدايا عند إنجاب ابنتهم لأطفالها، ابتهاجًا بالمولود أو المولودة الجديدة ليكون نقوط الذهب عرف سائد.

وتروي صفاء عبد اللطيف، تفاصيل يوم صباحيتها قائلة: "أنا من مركز البداري، لكن تزوجت في سوهاج، ويوم صباحيتي جالي أبويا وأمي وأخواتي وعماتي وخالاتي وأعمامي وأخوالي، وكلهم نقطوني دهب"، مشيرة إلى إنها جمعت نحو 13 خاتمًا ذهبيًا في ذلك اليوم، بالإضافة إلى سلسلة والدها وقرط والدتها، وهى على الفور أهدت حماتها خاتمًا ذهبيًا، وآخر لشقيقة زوجها، بعد سقوطها بمبلغ مالي، موضحة أن تقديم أهلها للذهب لم ينقطع بعد ذلك، ففى المناسبات والأعياد يقدمون لها العيدية مالًا وذهبًا، وعند إنجابها طفلة قدموا قرطًا ذهبيًا صغيرًا للطفلة، وسلسلة ذهبية ثمينة لها، كما قدموا لطفلها عند مولده بعد ذلك، قطعة ذهبية على شكل "كف اليد" لمنع الحسد، حسب معتقدات أهالي الصعيد في ذلك.

وتعد الشبكة تقليد واجب في محافظة أسيوط ومن الصعب إسقاطه من الحسبان عند الأهالي مهما حدث، تختلف قيمتها من قرية لأخرى فهناك مراكز وقرى تزيد من قيمة المهر والشبكة، بينما أخرى تخفضها، فلكل قرية أسلوب ومقاييس معينة في الشبكة يلتزم بها الأهل، ورغم الاختلاف الذي قد يكون كبيرًا إلا إن عروس أسيوط تشتهر بأن مهرها مرتفع وشبكتها غالية، ويعود ذلك لاعتقاد سائد لدى الأهالي وتوارثوه عبر السنين والأجيال بأن قيمة العروس من قيمة شبكتها، فكلما زادت قيمة الشبكة التي يتم تقديمها للعروس كلما دل ذلك على علو مكانتها وقيمتها الغالية، والعكس صحيح؛ لذا يحرص الأهل على أن وجود الشبكة وعدم الاستغناء عنها.

ويقول محمد إبراهيم، أحد شباب محافظة أسيوط، أن والدته قبيل زفافه قدمت له عدة قطع ذهبية لاستبدالها لدى الصائغ بقطع أخرى حسب ما تختاره خطيبته، مؤكدًا إنه حاول رفض عرضها وإنه سوف يتدبر أمره إلا أنها رفضت قائلة له: "يا بنى مش هناخد زمانا وزمن غيرنا".

ويشتهر مركز البداري الواقع أقصى جنوب محافظة أسيوط بأنه أعلى مراكز المحافظة غلًاء في قيمة الشبكة التي تقدم للعروس، حيث يطلب أهل العروس ما يقارب الـ100 جرام ذهبًا رغم ارتفاع سعره المتزايد، بل ومازال الأهالي مستقرون منذ سنوات عديدة عند تلك الكمية من الذهب، فهم لن يرضوا أن تتزوج ابنتهم بشبكة أقل من شبكة ابنة عمها أو خالها أو إحدى أقاربها والتي قدم لها العريس خلالها ما يقارب الـ100 جرام ولكن منذ عدة سنوات، بل وفي أحيان أخرى يطالبون بزيادة تلك الكمية عن الـ100 جرام بحجة توفر الذهب، وحصول ابنتهم على مستوى عالٍ من التعليم، أو اشتغالها بوظيفة مرموقة من حيث وجهة نظرهم، أو ارتفاع ورثها لدى أهلها، وغيرها من أسباب قد تدفع العريس إلى الاستدانة في بعض الأحيان من البنوك لتوفير ذلك المطلب الغالي لإتمام الزواج.

وعلى النقيض تمامًا مما يحدث بمركز البداري نجد مركز الغنايم الواقع أيضًا أقصى جنوب المحافظة، لا يغالي أهله في قيمة الذهب التي يطلبونها من العريس، للحد الذي يجعل أهل العروس يخبرون العريس وأهله إنهم يقدرون قيمته كرجل، وأنهم يشترون زوجًا لابنتهم ووالدًا لأبنائها وعليه فإنهم سيقبلون بما يقوم بشرائه من ذهب وفق الكمية التي يقدر على جلبها، رغم أنه قد يكون العريس ميسور الحال، بل ويعمل بوظيفة مرموقة اجتماعيًا، وكذلك العروس، ويقوم العريس بشراء كمية من الذهب تتراوح بين 25 - 30 ألف جنيه في متوسطها بين حالات الزواج التي تتم بالمركز حسب الأهالي وأصحاب محال الذهب والمجوهرات بالمركز.

ويوضح محمد فاروق، بجامعة أسيوط إنه تزوج من معيدة بالجامعة، ورغم أن ظروفه المادية ميسورة، إلا أن أهل العروس لم يغالوا فيما يطلبونه، وقالوا له: "يابني اللى هتجيبه إحنا راضيين بيه، وإحنا بنشتري راجل" مؤكدا أن يوم صباحيته أهدى جميع أفراد عائلة زوجته عددا من القطع الذهبية التي ضاعفت شبكتها مرتين".
الجريدة الرسمية