رئيس التحرير
عصام كامل

مدير مركز النزاهة والشفافية: هناك جهات بالدولة لا تتحرك إلا بتوجيهات من الرئيس

فيتو


  • الرقابة الإدارية قائمة منذ السبعينيات ومع ذلك الفساد نمى خلال وجودها
  • مصر لا تطبق مدونة سلوك للموظفين
  • جرانة كان لديه شركة سياحة وتم تعيينه في زمن مبارك وزيرًا للسياحة
  • أحمد المغربي كان لديه شركة إسكان وتم تعيينه وزيرا للإسكان
  • أؤيد التصالح مع الفاسدين مقابل التنازل عن جزء من ممتلكاتهم
  • الحكومة المصرية ترفض إشراك المجتمع المدني معها وتتخذ موقفا عدائيا منه
  • من يطالبون بتطبيق حكومة التكنوقراط في مصر لا يفقهون شيئًا
  • الدولة ليست جادة في محاربة الفساد رغم عرقلته التنمية المستدامة
  • الفساد أخطر من الإرهاب على مصر والجمارك تتربع على عرشه
  • عدلي منصور أصدر قانون تضارب المصالح لحل مشكلة الفساد
  • الحكومة التكنوقراط سبب فشل الإخوان في مصر
  • أفكر بجدية في الاعتزال بسبب قانون الجمعيات الأهلية

  • حاوره: محمود محمدي – مصطفى إبراهيم
  • عدسة: هشام عادل
الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة، وكلاهما يقف عائقًا أمام خطط التنمية التي تعمل الحكومة على تنفيذها لتحقيق الرخاء الاقتصادي المنشود لمصر، وإعادتها لمكانتها بين دول العالم، ولأن آثار الفساد تطول جميع صعد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك كافة أفراد المجتمع أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي نيته وعزمه على محاربة الفساد المنتشر في كافة مؤسسات الدولة، موجهًا هيئة الرقابة الإدارية ببذل قصارى جهدها لمكافحة الفساد.

شحاتة محمد شحاتة، مدير المركز العربي للنزاهة والشفافية، حل ضيفًا على صالون «فيتو»، ليكشف طرق مكافحة الفساد التي على الدولة أن تتبعها للتخلص من الفساد المنتشر في كافة أرجاء البلاد في أسرع وقت، كما أوضح خلال الحوار مخاطر الفساد على الدولة وعلى الفرد، والسبب وراء إصدار الرئيس السابق المستشار عدلي منصور لقانون تضارب المصالح، ليتطرق إلى سر فشل الإخوان في حكم مصر، كما كشف أسباب تفكيره بجدية في اعتزال العمل الأهلي، وإلى نص الحوار..


* في البداية حدثنا عن العلاقة بين الفساد والتنمية المستدامة؟
العلاقة وطيدة جدًا، ودائما نقول إن الفساد هو العائق الوحيد أمام التنمية المستدامة، حيث إن التنمية المستدامة 3 أنواع، اجتماعية واقتصادية وإدارية، الفكرة هنا إنه إذا كان الفساد في مجال الاقتصاد ستجد الموظف مرتشيا، وكذلك لن يصل الدعم لمستحقيه، والفساد سيطول عمليات بيع الأراضي، والخصخصة، وبالتالي سيتأثر الاقتصاد بشكل عام ولن نصل أبدًا لتنمية.

وإذا كان الفساد في المجال الاجتماعي، سنجد أن الكفاءات لا يحصلون على حقوقهم في الفرص الوظيفية، وبالتالي يصل للوظائف أصحاب الواسطة، ومن يصل للوظيفة بتلك الطرق لن يحقق للدولة النتائج المرجوة من شغله الوظيفة، والتنمية المستدامة ليست في مجال واحد، لكنها في كافة المجالات، وتتم عن طريق خطط طويلة الأمد يتم تنفيذها خلال عدة سنوات، ومن شأنها نقل الدول من مكانة إلى أخرى أكثر تقدمًا، وماليزيا والبرازيل خير مثال على ذلك.

* ما أثر الفساد على الفرد وعلى المجتمع كله ؟
قوات الأمن ألقت القبض منذ عدة أيام على موظف يعمل مراقبا ماليا بوزارة المالية حاول الاستيلاء على 47 مليون جنيه من الموازنة العامة للدولة، وتلك الحوادث بالطبع تصنف فسادا وهذا النوع من الفساد خصم من نصيب الفرد في أموال الدولة التي تصل إليه في هيئة دعم وخدمات ومرتبات عادلة.

الحكومة كانت تدعم المواد البترولية، ومع ذلك كنا نجدها تهرب إلى غزة وتباع في السوق السوداء، وكذلك دعم القمح والعيش، كنا نجد البعض يستخدم العيش كعلف للحيوانات، والقمح نفسه كان يباع في السوق السوداء، وصوامع القمح في مصر لم تخلو من الفساد وتهريب القمح.

* في رأيك ما هي الطريقة الأمثل لمواجهة الفساد ؟
هناك دول تمشي على كتالوج أو برنامج معين لمكافحة الفساد، ومصر من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد، ودخلت تلك الاتفاقية حيز التنفيذ منذ عام 2005، وتنص في المادة السادسة منها على إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، ولكن مصر لم تنشأ تلك الهيئة.

*ما الجدوى من إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد؟
تلك الهيئة وقائية، دورها أن تضع اللوائح والنظم في الجهات الحكومية بحيث تمنع الفساد قبل وقوعه، واقترحنا على الحكومة إنشاء شبكة إلكترونية لتقديم الخدمات للمواطنين حتى لا يحتك المواطن بالموظف، على أن تكون شبكة قوية ليست مثل الموجودة حاليًا التي لا تقدم أي خدمات حقيقية، ودورها مساعدة المواطن في إنهاء كافة الإجراءات من منزله، وإن لزم تقديم أصول من الأوراق فيقدمها وقت استلام الخدمة، وعن آلية دفع الرسوم فيمكن ذلك إلكترونيًا أو من خلال "البوسطة"، وتلك الوسيلة مستخدمة عالميًا.

ويكمن الدور الأهم لهيئة مكافحة الفساد، في التنسيق بين الهيئات الوطنية المختصة بمكافحة الفساد، مثل «النيابة الإدارية، والنيابة العامة، والرقابة الإدارية، إلخ».

* بالحديث عن الرقابة الإدارية.. ما تقييمك لأدائها خلال الفترة الأخيرة؟
الرقابة الإدارية موجودة منذ السبعينيات، ومع ذلك الفساد نمى خلال فترة وجودها، ولكن علينا أن نثمن نشاطها الأخير، بفضل رئيسها الحالي محمد عرفان وهو أحد رجال المخابرات العامة قبل أن يتولى تلك المسئولية الثقيلة.

ولو تغيرت قيادات الهيئات الرقابية التي تكافح الفساد، سيخمد نشاطها الذي نراه الآن، والحل هو في تطبيق نظام مؤسسي تعمل به تلك المؤسسات مع أي مدير لها.

* لماذا لا تتحرك الجهات الرقابية لمحاربة أي مظهر من مظاهر الفساد إلا عندما يسلط السيسي عليها الضوء؟
هناك العديد من الجهات لا تتحرك إلا بناءً على توجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، لذلك يجب أن نضع تلك الجهات في إطار مؤسسي للعمل، فمثلًا تونس اتخذت تدابير وقائية داخل الحكومة لمنع الفساد، ومن ضمنها قانون حماية الشهود، حيث يعطيه القانون الحق في إخفاء شخصيته، وكذلك إعطاء الشهود مبالغ مادية مكافأة لشهادته إذا كانت القضية متعلقة بفساد مالي مما يشجع المواطنين على المشاركة وكشف الفساد.

هناك تدبير وقائي مهم جدًا ووارد في اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد، ولا تنفذه مصر، وهو عمل مدونة سلوك للموظفين في كل جهة، حتى لا يقدم الموظف الخدمة بطريقته، ولكن يقدمها وفقًا لقواعد محددة وسهلة، ويجب الاهتمام بسهولة الإجراءات، حيث إن تعقيد الإجراءات يزيد فرصة السرقة للموظف، فيسهل الموظف الإجراءات مقابل رشاوى وما إلى ذلك.

* هل هناك جهات معينة بها فساد ولم تطولها يد الإصلاح؟
الجمارك في مصر هي أسوأ جهة بها فساد، وذلك من خلال إحصائيات، ويرجع السبب إلى كثرة اللوائح بها فضلًا على أنها معقدة جدًا، وكلما كثرت القوانين كلما كثرت الثغرات، ومسألة تصعيب الإجراءات تزيد من انتشار الفساد.

والرقابة الإدارية لا تولي اهتمامًا لصغار الموظفين بالرغم من أنهم من أكبر مصادر الفساد داخل الهيئات الحكومية، ومكافحة الفساد في مصر "ماشية حسب الظروف".

* ما الجهات الأخرى التي بها فساد وكيف يمكن إصلاحها؟
نسبة كبيرة من المستشفيات قد تصل إلى 60% أو أكثر بها فساد، وكذلك المدارس، وحل مشكلة الفساد في هذه الوزارات وغيرها يكمن في إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، على أن يكون لها أفرع داخل الوزارات، وتلك الهيئة ستراجع الإجراءات التي تسير عليها الوزارات في خطة عملها، ولكن الأزمة الحقيقة أن الدولة ليست جادة في محاربة الفساد.

* ما أوجه اعتراضك على قانون إتاحة المعلومات ؟
الصحفيون يعتقدون أن هذا القانون من أجلهم، وكذلك العديد من الجهات في الدولة، ولكن المقصود منه هو إتاحة المعلومات بشكل عام، بالطبع مع التحفظ على المعلومات التي تمس الأمن القومي، ويجب أن نعلم أن إتاحة المعلومة يمنع الفساد، وإخفاء المعلومة أحيانًا يكون عامل على زيادة الفساد.

وعند كتابة قانون إتاحة المعلومات، اقترحت أن يتم أرشفة كافة أوراق الدولة في أبواب «سري، ومتاح»، كما اقترحت أن يكون داخل كل جهة في الدولة إدارة صغيرة اسمها "إدارة إتاحة المعلومات" لتحدد ما يمكن نشره وما لا يمكن نشره، مثل مركز معلومات مجلس الوزراء، ومع تطبيق ذلك ستكون المعلومات متاحة للصحفيين ولكافة المواطنين.

*هل هناك آلية لمعاقبة أي جهة تمنع معلومة عن المواطنين؟
لا يوجد في مصر أي مادة قانونية تعاقب أي جهة إذا منعت معلومة عن المواطنين.

*هل هناك دولة معينة يمكن الاحتذاء بها في إتاحة المعلومات؟
البورصة المصرية أكبر وأفضل مثال يمكن أن تحتذي به كافة الجهات في مصر، إذا اتجه أي مواطن وطلب من البورصة ميزانية أي شركة أو أي معلومة سيقدمونها له على الفور، لأن ذلك جزء من عملية جذب الاستثمارات وانفتاح المجال الاقتصادي.

والبورصة لديها إدارة الإفصاح التي تقدم تلك المعلومات، ومعنى نجاح تلك التجربة في البورصة نجاحها في كافة الجهات، لكن بلدنا الخوف يسيطر عليها، فهناك معلومات كثيرة لا علاقة لها بالأمن القومي ولكنها مختفية ولا يمكن الاطلاع عليها.

* ما الهدف من مطالبتكم بإنشاء محكمة خاصة بقضايا الفساد؟
الهدف منها السرعة وتحقيق مبدأ العدالة الناجزة، مثل دوائر قضايا الإرهاب وهي الأخرى لم يتم تنفيذها، والفساد أخطر من الإرهاب على مصر، لأن الإرهاب يضرب كل فترة، إنما الفساد تأثيره مستمر ويؤثر على كافة الطبقات، وفكرة وجود محكمة ستجعل أي موظف يفكر ألف مرة قبل الإقدام على أي سرقة أو فساد من أي نوع، كما أن تحقيق العدالة الناجزة تعطي المواطنين شعورا بالارتياح ويخيف الفاسدين.

* متى تستطيع مصر التخلص من الفساد 100%؟
لا يوجد دولة في العالم لا يوجد فيها فساد مهما كانت متقدمة وتحكمها دساتير وقوانين قوية، إسرائيل وفرنسا وغيرهم من الدول بها مسئولين كبار متهمين بالفساد، ولكن عند قياس نسبة الفساد ستجدها في مصر كبيرة جدًا بالنسبة لدول العالم، ومركز مصر متدني للغاية في مستوى الفساد على دول العالم.

* هل تطبيق قانون تضارب المصالح يساهم في مكافحة الفساد؟
قانون تضارب المصالح تم إصداره في عهد الرئيس السابق عدلي منصور، وحتى الآن القانون مهمل ولم يتم تنفيذه بالرغم من أنه من أقوى وسائل مكافحة الفساد، وفكرة تضارب المصالح كانت متجلية جدًا في عهد حسني مبارك، مثلا زهير جرانة كان لديه شركة سياحة وتم تعيينه وزيرًا للسياحة، وكذلك أحمد المغربي كان لديه شركة إسكان وتم تعيينه وزيرا للإسكان، وهذا نوع من تضارب المصالح.

ومن يطالب بتطبيق حكومة التكنوقراط في مصر لا يفقه شيئًا، حيث إن المنصب ليس متخصصًا ومصر فقط من جعلته متخصصا، حيث يجب أن يكون وزير الصحة مثلا دكتورة، ولكن منصب الوزير في العالم كله منصب سياسي ولا يجب أن يكون متخصصا فالعديد من الدول حول العالم بها وزير الدفاع مثلا امرأة.

ولهذا السبب فشل الإخوان في حكم مصر وكادت مصر أن تغرق في عهدهم، لأن أغلب القيادات مهندسون ودكاترة، ولكن لا يوجد فيهم واحد فقط دارس للعلوم الإدارية والسياسة والاقتصاد، وعند وصولهم للحكم ارتبكو ولا يعرفو طرق الحكم أو كيفية إدارة شئون البلاد.

* هل ترى اللجوء لقانون التصالح مع الفاسدين مقابل التنازل عن جزء من ممتلكاتهم يشجع على الفساد أو يحد من الظاهرة؟
بعد ثورة 25 يناير كنت رافضا لفكرة التصالح مع الفاسدين مقابل جزء من ممتلكاتهم، ولكن الآن أقبل بهذا الحل لأن مصر لم تطول أي مبالغ من تلك الأموال، وكان يجب أن نسترد الأموال المهربة للخارج دون انتظار إصدار القضاء أحكام جنائية عليهم، وكان الأفضل أن يتم رفع قضايا في البلاد المهرب فيها الأموال.

*ما تحفظاتكم على قانون الجمعيات الأهلية؟
قانون الجمعيات الأهلية يفرض عقوبات مالية كبيرة على المخالفين، ولكن فكرة وصول المنظمة إلى مسألة العقوبة خطأ من الجمعية أو المنظمة نفسها، ويجب على كل مدير أو مالك لمنظمة أهلية ألا يسمح لنفسه أن يقع في خطأ يضعه أمام القانون.

وقانون الجمعيات الأهلية يسمح للمراقبين أن يدخلوا المنظمة في أي وقت ويطلعوا على الدفاتر وإذا رأى أي خطأ فلديه السلطة لرفع قضية تعاقب مالك المنظمة أو تغلقها.

وكذلك مسألة التمويل، فإذا تقدمت أي جمعية أهلية لجهة مانحة بمشروع، ووافقت عليه وأرسلت الأموال، تستقبل وزارة التضامن الأموال وتدرس المشروع هي الأخرى، وإذا وافقت عليه تعطي المنظمة الأموال، وإن لم توافق عليه لم يوضح القانون مصير الأموال القادمة إلى المؤسسة ي هذه الحالة.

*ماذا سيقدم المركز العربي للنزاهة والشفافية في الفترة المقبلة؟
أفكر بجدية في اعتزال العمل الأهلي، فكنت أعمل بدافع حب الوطن، ولكن قانون الجمعيات الأهلية يقيد المنظمات بشكل كبير وهو السبب في تفكيري باعتزال العمل الأهلي، وعندما وافق البرلمان على القانون وأرسله للرئيس عبد الفتاح السيسي ليوقع عليه ظل 6 شهور مختفيًا وحينها شعرنا ببصيص من الأمل أن الرئيس سيأمر بتعديل القانون تفاجئنا بإصدار القانون.

والحكومة المصرية لا تريد أن تشرك المجتمع المدني معها، وتتخذ موقفا عدائيا من منظمات المجتمع المدني، وفي المرحلة الحالية لا يوجد لدى الحكومة استعدادا للتعاون مع الجمعيات الأهلية.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية