رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد الشبكي يكتب: قصة وحكمة

أحمد الشبكى
أحمد الشبكى

كان ياما كان في قديم الزمان رجل بسيط يخرج كل يوم إلى عمله يقطع الاغصان ويجمع الاخشاب ليصنع حطبًا ويذهب إلى السوق ليبيعه ويشترى بالمال طعام يومه الذي يكفيه بالكاد.


في إحدى الأيام وهو متجها نحوالغابه وقف عند بئر ليشرب كما يشرب المارة في هذا الطريق ثم توجه إلى عمله، وأثناء تقطيع الاخشاب وجمع الحطب جلس أسفل شجرة قليلا ليستريح، فغالبه النوم لوقت قصير، وفى حلمه أثناء غفوته شاهد نفسه يرتدى اغلى الثياب والحلي وياكل اطيب واشهى الطعام، ويسكن في اجمل وأكبر قصر في بلدته والكل يأتمرون بأمرة، ويطيعونه ولا يخالفه أحد في البلدة بل كان له الأمر والنهي عليهم.

ولكنه استيقظ من حلمه فجاءه على لدغه ثعبان صغير في قدمة جعلته يتألم، فاخذ يعالجها حتى استطاع أن يحرك قدمه، وقام وجمع حطبه واستطاع بالكاد أن يذهب إلى السوق ليبيعه.

وبعد أن خرج من السوق وقف قليلا ليفكر فيما جال في خاطره وهو في غفوته وكيف افاق منها، واخذ هذا الخاطر يجول في عقله وأفكارة إلى أن ذهب إلى كوخه الصغير.

وفى صباح اليوم التالى خرج كعادته إلى الغابه ليجمع الحطب، وفى أثناء انشغاله بقطع الاخشاب لمح ظل لشخص شعر أنه يراقبه، فانتابه حاله من القلق والتوتر لبعض الوقت، فالتفت بسرعه خلفه ليعرف من هو صاحب هذا الظل.

وجد امامه رجل كهل انحنى ظهره من طيله السنيين والأيام الفائته من عمرة واكتست رأسه ولحيته بالشعر الأبيض الناصع، وكان واقفا متكأ على عصا صغيرة يسند عليها ليقف.

قال له ماذا انت بفاعل يابني ؟
رد عليه الرجل وهو مرتاب من أمرة
انا اقوم بعملي في قطع وجمع الحطب، فهذا مصدر رزقي
فقال له الكهل : رزقك بيد الله، وكلنا عباد الله، والله هو الرزاق
رد عليه الرجل : ونعم بالله
فقدم الكهل خطواته وقال له :
ولكن احذر يا ولدى من غدر الأيام ولا تجعل شيطانك يصور لك أن الرزق بيدك، لكن اسعى واتعب والرزق بيد الله.
رد عليه الرجل : من انت ايها الكهل العجوز !!؟؟
رد عليه وهو يستدير : ستخبرك الأيام يا ولدى لا تستعجل الأمور.
واختفى الكهل عن نظر الرجل فجأه، فازداد ريبه ورهبه مما حدث، واخذ يفكر هل هذا حقيقي ام خيال، ومن هذا الكهل وكيف اتى ومتى غادر المكان ؟
وفكر قليلا ثم عاود العمل مره أخرى في قطع الاشجار، وفى إحدى المرات وهو يضرب ببلطته أحد الاغصان الخشبيه لمعت في عيناه اجزاء من الغصن لا تدل انها خشبيه.

اخذها بيده وتأملها قليلا، فاذا بها اغصان من ذهب تبرق بريق لم يشاهده من قبل، فاخذ يقطع في الاغصان ما استطاع أن يقطعه وحمله ورجع مهرولا إلى السوق وباع الذهب واشترى حديقه جميله في بلدته وبنى فيها قصرا ليسكن فيه بدلا من الكوخ القديم المتهالك، وكان كل يوم يذهب اليه سكان البلده لينالوا منه العطايا والأموال، وهو يخرج كل يوم ليلا في سريه ليقطع من اغصان هذه الشجرة التي تطرح اغصان ذهبيه.

وفى أحد الأيام جلس قليلًا يفكر كيف يخبىء هذه الشجرة حتى لا يعرف امرها أحد، فلقد بدا الطمع والزهو والغرور يتسلل إلى قلبه، وقال في عقله " لن استطيع أن اخفي الشجرة ولكن استطيع أن ابعد الناس عن طريقها، فهذا البئر الذي في الطريق اليها هو ما يجعل الناس تسلك هذا الطريق ليشربوا منه، وان اخفيت وردمت هذا البئر وجفت ماءه ستقطع كل الطرق إلى الشجرة واكون انا فقط الفائز بها.

وبالفعل احضر الردم والاحجار واخذ يردم في البئر حتى اختفى تماما وجف ماءه، ورجع مسرعا إلى قصرة قبل بزوغ الفجر حتى لا يعلم أحد من البلده بأمرة شئ.

وعاد وجلس في قصرة يتباهى به ويتفاخر، حتى إذا ما قدم أحد من أهالي البلده يطلب منه مساعده تكبر عليه وطرده، وفى يوم من الأيام قدم اليه الكهل وهو يخفي وجهه يطلب من المساعده، فنهرة وطرده وقال له : الا تستحي يارجل انا من صنعت هذا المال وانت تأتي لتاخذ منه اذهب عني واخرج من قصرى، وأمر الخدم الا يدخلون أحد من سكان البلده اليه.

وظل حاله هكذا، وأهل البلده في حيرة من امرهم !! فما بدل حاله هكذا !!؟؟ فقد كان فقيرا نعطف عليه، وعندما رزقه الله اعطانا من الرزق، فما باله الآن يتكبر علينا وينهرنا !!؟؟

وفى أحد الأيام خرج من قصرة ليلا ليجمع بعض الاغصان الذهبيه، وظل يمشي في اتجاه الشجرة حتى وصل اليها، واخذ يقطع من اغصانها فلم يجد ذهبا، فوقف متعجبًا ونظر إلى الشجرة وقال اين ذهب ذهبك !!!!؟؟؟؟

في هذه اللحظه ظهر له الرجل الكهل مرة أخرى وقال له : يابني في نفس هذا المكان قلت لك الرزق بيد الله، وقلت لك لا تجعل شيطانك يحدثك انك صنعت هذا، فقد رزقك الله الكثير ولكنك لم تحتاط من لذغة الثعبان، فقد ردمت البئر الذي ترتوى منه االشجرة ومنعت عنها الماء لتنمو، وها انت تحصد نتيجة فعلك.

لك الله يابنى، واستغفر ربك فانت اسأت استخدام نعم الله عليك.

فتذكر الرجل الحلم وعرف معني اللدغه واخذ يلوم نفسه باكيا وهو عائد إلى بلدته، فقد كان أهل البلده تمكنوا من دخول قصرة وحطموا كل ما به واحرقوه عن اخره من شده نقمتهم عليه وعلى افعاله معهم، فذهب يسحب اذيال الخيبه والحسرة خلفه إلى كوخه القديم.
وقابله الرجل الكهل على باب كوخه القديم
وقال له يابني :
لا تردم بئر بعد أن ترتوى منه فالغباء أن تعتقد انك ارتويت إلى الابد والغباء الاعظم انك تعتقد أن الله جعل البئر لك وحدك.

الجريدة الرسمية