رئيس التحرير
عصام كامل

خطبة الرئيس السيسي في الأمم المتحدة.. معركة البقاء


لم أكن أنوي الكتابة عن خطبة الرئيس لولا اتصال هاتفي من صديقي الكندي في عمق الرسالة ومعناها، وبعيدًا عن طرح الرئيس للمشكلات المحلية والإقليمية وقضية الإرهاب الذي ناقشه العديد من الكتاب الصحفيين.. ولكن أكثر ما استرعى انتباه صديقي الكندي هو النقطة الرابعة التي لم يتحدث عنها أحد الصحفيين المصريين وفيها قال:


"إن القضاء على جذور ومسببات الأزمات الدولية، ومصادر التهديد للاستقرار العالمي، يمر بالضرورة عبر تفعيل مبدأ المسئولية المشتركة، متفاوتة الأعباء، بين أعضاء المجتمع الدولى، لتضييق الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين الدول المتقدمة والنامية، فأي مصداقية يمكن أن تكون لمنظمة الأمم المتحدة وأجندة 2030 وأهداف التنمية المستدامة، عندما يكون النظام الاقتصادى العالمى نفسه مسئولًا عن تكريس التفاوت، وبعيدًا عن قيم العدل والمساواة؟

وأى فرصة يمكن أن تكون متاحة أمام الدول النامية، مهما صح عزمها على تبني إصلاحات اقتصادية شاملة تعالج أوجه الخلل في إدارتها لمواردها، بدون معالجة جذرية لأوجه الخلل في الأوضاع الاقتصادية العالمية، وذلك عبر المزيد من إشراك العالم النامى في هيكل الحوكمة الاقتصادية العالمية، وتيسير نفاذه إلى التمويل الميسر والأسواق ونقل التكنولوجيا".

ناقشنا الموضوع ما بين تجربتي السابقة في إدارة أحد برامج المسئولية الاجتماعية تحت مظلة الأمم المتحدة UN global compact إلى واقع التحديات والمحددات الاقتصادية الدولية في النظام العالمي الحديد التي طرحتها في مقالات سابقة فإن الرئيس ضرب قلب التحدي الأكبر الذي يواجهه العالم النامي لصالح دول كبرى وشركات متعددة الجنسيات.

أن "ألفين توفلر" المفكر العالمي تحدث عن تأسيس نظام عالمي جديد يحكم العالم يعتمد على الثورة المعرفية كأحد أعمدة السلطة ويتجلى أثرها في عزل فئات بعينها بما سبب تفكك المجتمعات (الشباب كمثال)، بما يساعد على تحلل أنظمة الدول حتى في الدول المتقدمة وانتهى أن الكيان الأقوى في الدولة هو الحكومة السرية المتحكمة في الدولة وليس الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا، بل التي تمتلك المعلومات ولديها القدرة على تسريبها أو حجبها وتشويش الرأي العام بالشائعات أو ترويضه (ويكيليكس كنموذج)..

تحدث توفلر عن أهمية التجسس الاقتصادي من خلال الشركات عابرة القارات، ودلل أن وكالة معلومات خاصة تنبأت باغتيال الرئيس السادات قبل عشرة أشهر من الحادثة.

أما "جيمس ريكاردو" الذي عمل استشاريًا لوزارة الدفاع والاستخبارات الأمريكية عرف أدوات الحروب الاقتصادية من خلال انهيار العملات الوطنية، وهي قد تؤدي إلى نوبات مفزعة من الركود والتضخم بل العنف والإرهاب، ويحقق استفادة دول وشركات استثمارية دولية من موارد دولة نامية بأقل قيمة لاستنزاف وإفقار دول لصالح أخرى.

وفي بحث علمي في المعهد السويسري الفيدرالي يعتبر الأول من نوعه بدراسة التأثير الدولي للشركات عابرة القارات قدم الباحثون "ستيفاني فياللي" و"جيمس جلاتفيلدر" و"ستيفانو باتيسون" شرح لما يسمى بشبكة الشركات العالمية الكبرى وهي الشركات متعددة الجنسيات وعلاقتها بالتحكم في الأوضاع الاقتصادية حول العالم، ويشرح كيف أصبحت هذه الشبكة أشبه برابطة العنق على حد تعبيرهم أي أن الجزء الأكبر من الشركات يمثل الجزء الأدنى من الرابطة، في حين أن مسارات التحكم في توجهاتها يأتي من أعلاها في العقدة الصغيرة مما يجعل هذه الشركات المتمثّلة في هذه العقدة هي القوى العظمى الحقيقية في النظام العالمي، وأثبتت الدراسة أن ٤٠٪‏ من التحكم في يد ١٤٧ شركة كبرى في قلب العقدة، وبالتالي يمثلون قوة عظمى تحكم العالم، والمفاجأة الكبرى أن ٧٥٪‏ من الشركات داخل قلب العقدة هم وسطاء ماليون كالبنوك وشركات الاستشارات المالية والبورصة.

وعن تطور تقنيات الذكاء الصناعي في الغرب المتقدم يعتقد العالم "إيلون ماسك" أنه سيتفوق على الذكاء البشري سنة ٢٠٣٠، مما يثير قلق العلماء أنه سيكون قادرًا على التحكم في مناحي الحياة بما يشكل ضررًا بالغًا ضد البشرية، وخاصة الفئات والدول المحدودة الإمكانيات بما يحرمها من التنافسية، ولكن "ماسك" يطرح حلا أكثر خطورة قد يوفر طفرة للذكاء البشري ألا وهي مفهوم الرباط العصبي لتطوير العقل البشري لينافس بقوة الذكاء الصناعي بما يسمى دمج الإنسان بالآلة، ويعتقد كثير من العلماء أن الذكاء الصناعي سيكون قادرًا يومًا ما على إدارة الكوكب أفضل من البشر بقوانين وقواعد محدد لمشكلات وأخطار عالمية تواجه الكوكب.

وفي كتابها عقيدة الصدمة ألقت الصحافية الكندية "نعومي كلاين" الضوء على كيفية صناعة الأزمات وتحويلها إلى فرص استثمارية تحقق فرصة استثمارية لاقتصاديات الدول الكبرى وشركائها الشركات متعددة الجنسيات، فإن رأسمالية الكوارث تراها الكاتبة منهج للولايات المتحدة من خلال فرض اقتصاديات السوق الحرة على دول العالم أجمع، ولم يتحقق الفرض إلا بالعنف والإرهاب أحيانًا، وأن سياسات النيوليبرال التي أضحت تحكم العالم، والتي صاغتها مدرسة شيكاغو - ميلتون فريدمان - وضعت ملامحها منذ ٥٠ عامًا وانتشر خبراؤها في دول العالم تحت مسمى الخبراء والاستشاريين..

وتتلخص أساليبها في الخصخصة وانفتاح السوق الحرة وخفض برامج التكافل الاجتماعي وهي سياسات لها آثار عنيفة على اقتصاديات الدول النامية وتعتمد على تمرير هذه القوانين في ظل الاضطرابات السياسية والكوارث لاستغلال أصول هذه الدول ومواردها بأقل سعر، وهناك أمثلة مثل انقلاب بيونشيه في تشيلي ١٩٧٣، حرب فوكلاند ١٩٨٢، مذبحة ميدان السلام السماوي ١٩٨٩، انهيار الاتحاد السوفيتي ١٩٩١، الأزمة الآسيوية ١٩٩٧، إعصار ميتش ١٩٩٨، حرب العراق ٢٠٠٣، تسونامي ٢٠٠٤، إعصار كاترينا ٢٠٠٥ وبالطبع فبعد صدور الكتاب هناك الربيع العربي بكل أزماته.

عندما يخاطب الرئيس دوائر صياغة السياسات الخفية في النظام العالمي بلغتهم ويفند أطروحاتهم لحكم العالم من خلال نظام لا يحقق العدالة في توزيع الفرص التي تعد هي أحد مبادئ الأمم المتحدة، فإني أكون مطمئنا أن الرئيس يدرك جيدًا تحديات التنمية الوطنية والمحاور الاقتصادية التي يفرضها نظام عالمي غير عادل، وأتمنى أن يدرك المواطن سواء مؤيد أو معارض صعوبة الأوضاع الاقتصادية أمام هذه التحديات ليدرك أن الله يحفظ مصر في معركة البقاء.
الجريدة الرسمية