رئيس التحرير
عصام كامل

في معية يوسف (٢٦)


من أحلى وأجمل اللحظات في حياة الإنسان هي تلك اللحظات التي يأتيه فيها خبر سار انتظره طويلا؛ كربح كبير حققه في تجارة أو مشروع خاص به، أو فوز أهله وعشيرته في معركة انتصروا فيها على عدوهم، أو نجاح في امتحان أو اختبار صعب ينال من ورائه جائزة ثمينة، أو لقاء أحبة أعزة لديه لم يرهم أو يلتقيهم منذ زمن بعيد، وهكذا.. في قصة يوسف، كان من الطبيعى أن يكون يعقوب (عليه السلام) شديد الشوق واللهفة لرؤيته واللقاء به، خاصة بعد تلك السنين الطوال من الفراق والآلام والأحزان.. ومن الطبيعي أيضا أن يتناقش مع أهله وأولاده في الإعداد للسفر إلى مصر؛ ماذا يأخذون معهم من هدايا لتقديمها ليوسف تعبيرا عن سعادتهم وفرحتهم...


إن الإنسان وهو مقبل على لقاء أحبابه يتمنى لو طار إليهم، يريد أن يختصر الزمن.. وكلما كانت المسافة طويلة، ووسيلة الانتقال بطيئة، كلما اشتد به الشوق.. لقد كانت المسافة طويلة، فهى بين الشام ومصر، كما أن وسيلة الانتقال بطيئة للغاية.. لذا، يمكننا أن نتصور الحالة التي كان عليها يعقوب من شوق ولهفة.. وعندما وطئت أقدامهم أرض مصر، كانت فرحتهم غامرة وعارمة، ففى هذه الأرض يقيم الحبيب يوسف.. يقال: وما حب الديار شغفن قلبى.. ولكن حب من سكن الديارا.

ولنا أن نتخيل كيف كان حالهم وحال يوسف عندما التقوه.. يقول المولى تعالى: (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه) أي عندما دخل يعقوب وأولاده وأهلوهم القصر الذي كان يقيم فيه يوسف، كان أول شيء فعله هو أن يحتضن ويعانق أبويه، فهو لا يقل شوقا ولهفة عنهما، وقال لهم (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) أي يمكنكم أن تتحركوا في مصر، وأن تتجولوا في أنحائها كما تشاء ون وانتم آمنون مطمئنون..بل إنه (رفع أبويه على العرش) أي أجلسهم بجواره على سرير الملك.. وفى قوله تعالى: (وخروا له سجدا)، قال المفسرون: كان السجود عندهم تحية وكرامة لا عبادة (وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل) أي هذا تفسير الرؤيا التي رأيتها في منامى عندما كنت صغيرا (قد جعلها ربى حقًا) أي صدقا، حيث وقعت بكل تفاصيلها كما رأيتها في النوم..

ثم قال: وقد أنعم الله على بإخراجى من السجن (وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن).. ولعل القارئ الكريم يلاحظ أن يوسف لم يذكر شيئا عما فعله إخوته به في الماضى عندما كان يعيش معهم في البادية، وقاموا بإلقائه في غيابة الجب.. فعل ذلك تكرما منه حتى لا يخجلهم بسوء صنيعهم، خاصة أنه عفا عنهم.. ومعنى قول يوسف (وجاء بكم من البدو) أن الله تعالى أكرمهم ورعاهم أثناء انتقالهم من البادية التي كانوا يقيمون بها، واجتمع شمل الأسرة بمصر..

يقول الطبرى: ذكر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهاليهم وأبنائهم وهم أقل من مائة، وخرجوا منها يوم خرجوا وهم زيادة على ستمائة ألف (من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى) أي من بعد أن أفسد الشيطان بالإغواء.. ثم قال: (إن ربى لطيف لما يشاء) أي لطيف التدبير يحقق مشيئته بلطف ودقة لا يحسها الناس ولا يشعرون بها (إنه هو العليم الحكيم) أي العليم بخلقه الحكيم في صنعه.. (وللحديث بقية إن شاء الله).

الجريدة الرسمية