رئيس التحرير
عصام كامل

قراءات في الهجرة المباركة


مع بداية كل عام هجري جديد نحتفل بذكرى الهجرة النبوية المباركة، والتي كانت بداية إرساء قواعد وبناء الأمة الإسلامية، وليس كما يقول بعض المشايخ والدعاة الدولة الإسلامية، فالإسلام دين أمة وليس له دولة، نعود إلى هذه الذكرى العطرة، ولنتحدث عن بعض ملامحها الفياضة بالحب والتضحية والبذل والعطاء النابعة من مشاعر الإيمان الصادقة، والراسخة في قلوب أبطال رحلة الهجرة، ولنبدأ بصاحب الهجرة، وهو الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والذي دلل بصدق على مدى قدرته على تحمل أمانة الرسالة والدعوة إلى الله تعالى، فقد بذل من الجهد والمعاناة الكثير، وتحمل ما لا يقوى على حمله بشر، وفارق الأهل والوطن الذي ولد وتربى فيه، وهى أحب بقاع الأرض إلى قلبه، وعرض نفسه الكريمة للمخاطر والهلاك، وتحمل رحلة سفر قاسية ومضنية في صحراء خاوية من أسباب الحياة، في جو شديد القيظ والحرارة لا يحتمل..


ونجد البطل الثاني وهو الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو في أعلى النماذج والصور في الحب والتضحية والفداء، ينام في فراش النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حتى يموه الأمر على مشركي قريش، وهو يعلم أنهم قد أعدوا العدة لاقتحام بيت النبي لقتله، ويقبل بأن يكون الفداء طواعية وبحب، فكان بحق كما وصفه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الفدائي الأول في الإسلام، ولقد كانت الحكمة من مبيته في فراش النبي كما ذكرنا التمويه، بالإضافة إلى رد الأمانات التي كانت مودعة من بعض أهل قريش عند رسول الله الصادق الأمين مع كل البشر حتى مع الأعداء والخصوم..

وننتقل إلى البطل الثالث والذي حظى بشرف الصحبة في الرحلة المباركة، وهو سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه ذلك الصحابي الجليل الذي دلل على صدقه في محبته لله تعالى والرسول الكريم، بجمع ماله كله ووضعه بين يدي رسول الله، وإعداد الرواحل وقبل أن تجند ابنته الفتاة وقتئذ السيدة أسماء ذات النطاقين رضي الله عنها في خدمته وصاحبه، وتكلف بإمدادهما بالطعام والماء، وقد تحملت مخاطر الصحراء فكانت تتردد عليهما من حين إلى آخر حاملة لهما الطعام والشراب غير عابئة بملاحقة مشركي قريش وشرهم..

هذا ولقد كان من حب الصديق وخوفه على حبيبه صلى الله عليه وسلم أنه كاد أن يفقد عقله أثناء السفر، فكان يأتي فجأة مهرولا عن يمين النبي وتارة أخرى عن يساره وأخري من أمامه ورابعة عن خلفه، فيسأله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك فيقول:"يارسول الله يخيل إلى أن القوم قد لحقوا بنا وجاء أحدهم يريد أن يطعنك من يمينك فأتي عن يمينك حتى أتلقى أنا الطعنة، وهكذا فإن مات أبي بكر مات فرد واحد، وإما إن قتلت يارسول الله فقد ماتت الأمة"..

هذا وعندما وصلا إلى الغار للمبيت يستأذن الصديق رضي الله عنه رسول الله في أن يدخل هو لكي يأمن الغار فيدخل الغار أولا ويعرض نفسه للخطر والمخاطر، ويجد شقوقا بداخل الغار كثيرة، فيخلع أحد أثوابه ويمزقه ويسد موضع الشقوق، ويبقى شق واحد فيسده بقدمه، وينادي على رسول الله فينام على فخده وفجأة تسيل دموع ساخنة من عيني الصديق، وتتساقط على وجه النبي، فيسأله عنها صلى الله عليه وسلم فيقول: لا شيء يارسول الله نم واسترح، فينظر النبي إلى قدم الصديق فيجد الدم يسيل منها على أثر لدغة ثعبان كان بداخل الشق، فيأخذ النبي الطاهر المبارك من ريقه الشريف، ويمسح موضع اللدغة فتبرأ ببركته عليه الصلاة والسلام..

هذا والحديث عن سيدنا أبي بكر يطول وكفاه شرفا وفضلا قول الرسول الكريم فيه: "لو وضع إيمان الأمة في كفة وإيمان أبي بكر في كفة لرجح إيمان أبي بكر"، وقوله: "لو اتخذت غير ربي خليلا لاتخذت أبا بكر"..

عزيزي القارئ من خلال تلك المواقف التي تخللت أحداث الهجرة نجد أحاسيس نبيلة ومشاعر إيمانية صادقة تكاد تكون مفقودة الآن ، منها قوة الإيمان واليقين في القلوب، ومنها الصدق في المحبة، ومنها البذل والتضحية والفداء والصبر والتحمل، ولا شك أن الأصل في ذلك كله هو الحب الخالص لله تعالى ولرسوله عليه الصلاة والسلام وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية