رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

خطاب توزيع الذنوب والخطايا


في كل مرة يظهر فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علنًا، ومعه في خط مواز، زوجته الفاتنة ميلانيا، حاملة وجه النمرة المتربصة، أجدني حريصًا جدًا على متابعة ودرس لغة الجسد الخاطفة بين الزوجين، حتى وترامب نازل من فوق درجات سلم الطائرة في مهمة رسمية بإحدى الدول مثلا.. هما يتصرفان كزوجين، ولا تتصرف هي كزوجة رجل بدرجة رئيس، ولاحظت أنها لقنته درسا قاسيا منذ بدايات زياراته الخارجية حين نسى نفسه وتقدم عليها في زيارته إلى إسرائيل، وفجأة تذكرها فمد يده إلى يدها فدفعتها بعيدًا في لقطة خاطفة.. من يومها وهو حريص أن يوازيها ويخاصرها خطفًا.

لماذا اخترت هذه الدخلة الخاصة لمقال سياسي؟!
لأن سلوك دونالد ترامب المسرحي الاستعراضي إزاء زوجته وأسرته، هو التفسير الوحيد وراء كلمته النارية الاستعراضية من فوق منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثانية والسبعين.. استغرقت الكلمة إحدى وأربعين دقيقة، وشاهدها رؤساء دول وحكومات وشيوخ وأمراء ومندوبون وغابت دول، أهمها بالطبع كوريا الشمالية.

وتخيلوا لو أن رئيس كوريا الشمالية الشاب كيم جونج أون كان حاضرًا الجلسة، بقصة شعره الشهيرة وضحكته الاستفزازية المعلقة، وعينيه الضيقتين، ولسانه المتفجر المنفلت.. كان العالم سيشاهد نجمين بارزين في الجنون وحب الاستعراض، أحدهما بعد السبعين والثاني دون الأربعين، الأول فم كبير مراهق في السياسة وفي العلاقة الزوجية، مفتون بالسلطة، مكسور من داخل إدارته ودولته العميقة، وجد ضالته في تهديد العالم! أما الثاني فأرعن ومهووس وجاهز لتنفيذ جموحه وشطحاته النووية.

غاب إذن هذا المهووس رحمة بالكرة الأرضية فانطلق ترامب يوزع الاتهامات والتهديدات.. والحق أنني استمتعت بتقرير مصور بثته شبكة CNN عن ردود أفعال الوفود الحاضرة لشتى الدول.. مرت الكاميرا على الوفد الأمريكي وكان يضم وزير خارجيته تيلرسون وزوجة ترامب وغيرهما.. بدت ميلانيا جامدة الوجه، بلا تعبير على الإطلاق، فيما ظهر قلق عابر على وجه تيلرسون، وكأنه يتجهز لسماع مصيبة!

أما لافروف وزير الخارجية الروسي فمضي ينظر إلى بعض أفراد وفد بلاده، وتوقفت الكاميرات عند رئيس وفد فنزويلا وكان يتصفح النت فمضى يتصفحه غير عابئ، بينما كان ترامب يهاجم رئيس فنزويلا بضراوة ويصفه بالديكتاتور والفاسد والمتسبب في انهيار بلاده، ولما جاء ذكر إيران راحت الكاميرا تستعرض ردود أفعال الوفد الإيراني، الذي لم يكترث، بينما مضى ترامب يمهد لإعلان انسحاب وشيك من أسوأ اتفاق أبرمته أمريكا في تاريخها منح لإيران غطاءً يمكنها من التحول إلى قوة نووية!

كان الجمود سيد الوجوه عامة، ولم يستحسن أحد كلامًا لترامب سوى بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي أسعده بالقطع هذا الموقف الضاري ضد إيران.. هز نتنياهو رأسه ونظر إلى سارة زوجته وبدت السعادة على وجهه.. أردوغان كان يتابع.

لماذا أخفى العالم التعبيرات الحقيقية عن وجهه ردا على خطاب لم يسبق له مثيل في العنف الرئاسي من فوق منصة منظمة دولية تدعو الدول الأعضاء إلى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وحل النزاعات بالطرق السلمية؟

كل الوجوه تقريبًا ارتدت القناع الجبس المتكلس؛ لأن اللهجة والكلمات ستجبر أي أحد يحاول أن يعكس تعبيرًا على أن يكون مع أو ضد.

والعقلاء في السياسة يعلمون أنه مع مجانين السلطة لا تكن مع ولا ضد، فقط احتفظ بوجه من رخام!
بالطبع ردود الأفعال الدولية خارج الجلسة انتقدت بعنف وقوة خطاب توزيع الذنوب والخطايا على الدول التي لا تعجب أمريكا وإسرائيل، وكان أقوى تعليق هو ما نطقت وزيرة الخارجية السويدية فقد اعتبرت كلمة ترامب مجرد "خطاب وطني طنان ومنذ عقود لم أسمع خطابًا كهذا موجهًا للجمهور الخطأ في الوقت الخطأ".

بالطبع هناك ردود قاسية ساخرة من إعلام ووزراء خارجية الدول التي تلقت أقسى الهجمات، كوبا وكوريا وفنزويلا وإيران، لكن التعليق الذي خرجت به مارجوت ولستروم وزيرة خارجية السويد، وهي من المعسكر الغربي، يبقى أكثر دلالة على ما ذهبت إليه أعلاه من أن الرجل مهتم بما سيقول وسيفعل وسيجعله ناريًا؛ لأن الجمهور الوحيد الذي همه في القاعة كان زوجته وأسرته وإسرائيل!
Advertisements
الجريدة الرسمية