رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

وبعد أن أحيي العلم !

(تُسرق أثار وتُهرب خارج مصر، تخلص كل الأراضى.. تنتهب ثم تعود، لا يهمنى ذلك ولا أكترث به مطلقا، يخلص الغاز.. يُصدر لإسرائيل، يشح، يرتفع ثمنه، نستورده مجددا من إسرائيل.. لا جديد ولا جدوى ولا طائل.. يتعوم الجنيه، يغرق الجنيه.. مفيش مشكلة عندى خالص، هذه البلد لم أحصل منها على خير قط إلا بالكد والشقاء بينما غيرى يحصل على كل شىء بدون أدنى مجهود لأنه من المحظوظين وابن فلان نسيب علان قريب أحد الكبراء وهذا يكفى جدا جدا، وحتى إذا بقت كل العناصر والمقومات السابقة، لن أحصل منها على حقى كمواطن، فلما الحزن إذن.. أنا مولود وفي فمى علقم القهر ويقض ظهرى هموم تقسم الجبال، ودوما مطارد إما بالفقر والتمييز أو بالجهل أو بالغباء والنفاق !؟.. لذا صارت نظرية وأنا مالى هي المفضلة والواقعية عندى وأجدها أفضل علاج لى ولغيرى وهم كثر! )

هذه كانت كلمات أحد الشباب المتابعين لمباراة الأهلي والترجى الأخيره على إحدى المقاهى الشعبية، والتي أهدى فيها الكابتن إكرامى الإبن التفوق للضيوف كعادته، فجلس هذا الشاب يسخر ويضحك ويقول ( والله أحسن أحسن)، ثم أكمل كلمات بسخرية أشد وهو يقول لى.. طبعا ستقول لى: أنت غير وطنى، حتى في الكرة لا أجد لك وطنية ثم تتهمنى بالحقد والسوداوية، ثم تنصحنى قائلا: هذه نظرة سوداوية للحياة ولا يجب أن تقع فريسة للإحباط هههههههههه.. سأرد عليك وأقول لك يا عم هو في حد طايل الإحباط، ده كمان سعره ارتفع مع تعويم الجنيه... ههههههههههههههه أصله بيتعامل بالدولار كمان !

قطعا، لم أستطع ولم أرد أن أقاطعه، لأنه كان يريد أن يفضفض أو بالأحرى، كان يريد أن ينفجر أمامى وأمام الجميع، تركته يسهب حتى وصل لكلمة قاطعة فاصلة في الأمر فقال لى: على فكرة الجامعة عندنا بكرة ستقدم علاجا فعلا لحالتى المستعصية تلك.. ألا تريد أن تعرفها ! 

بلى، بالطبع أريد معرفة هذا العلاج السحرى، لا تشوقنا أكثر من ذلك.. قل سريعا بالله عليك ما هو.. نظر لى بكل سخرية وقال: سنحيي العلم في الطابور.. سيتم عمل طابور صباحى مثل المدارس وسنحيى العلم وسيتقدم عميد الكلية مسبوقا برئيس الجامعة، ثم يتسابق كل منهما على تقبيل العلم أطول مدة ممكنة، وربما يزايد أحدهما على الآخر فيبكى ويبلل العلم بدموعه المقدسة المختمرة بكل نكهات الوطنية!

أعتقد أننى ساعتها سأستفيق وتعود لى بذرة الانتماء التي تراكم عليها الطين الأسود ولم تجد من يرويها بقليل من ماء المساواة أو حتى قطرات من ندى الأمل.. ستضمن لى تحية العلم أن أستاذ الجامعة لن يسرقنى ويجبرنى على شراء كتاب بائس له، (له) تلك مجاز أو قل تجميل لكلمة أصدق وهي سرقة من غيره أو من أستاذ لآخر في جامعة عالمية محترمة ثم أجبر أحد طلابه بترجمته حتى يمنحه قبلة النجاح في مادته ! 

حتما بعد أن أحيى العلم وأصرخ ( تحيا مصر ) ثلاث مرات كاملة سيتبدل الحال بفعل اليقين، سأجتهد في جامعتى وأنا موقن بأن ابن العميد أو ابن أخت سيادة وكيل الكلية لن يلهف مكانى في التعيين معيدا بالجامعة! بعد أن أحيى العلم ثلاث مرات بضمير وشموخ يستحقه العلم بلا جدال، سأتيقن من أن وظيفتى في المركز المرموق في الخارجية أو غيرها من الوظائف المحتكرة لن تفلت من يدى بسبب فقر أبى الموظف البسيط الشريف، أو جلباب أمى الفلاحة المسكينة أو وظيفة عمى عامل النظافة، أو زواج أختى من سائق ميكروباص حاصل على امتياز في جامعته ولكن غيره سبق وأكل ونهب وبقى سيده !

بعد أن أحيى العلم سأجد علاجا رخيصا لأمى في مستشفى حكومى، وسأصل يوميا للجامعة في مواصلات آدمية أقدر على ثمنها، وسأشبع ولن تتلوى بطنى من الجوع وأشتاق لرغيف وطعميتين لا أقدر على شرائهما، سأصل لبيتى في أمان وأنا واثق في مستقبل أفضل لى ولن أفكر في الهجرة مطلقا من مصر أو التودد لقريب يعمل في دولة خليجية حتى يرضى عنى ويساعدنى في الحصول على فيزا للعمل هناك.. سأحيى العلم !

بعد أن أحيى العلم بكل وطنية، سأشعر بنسيم العدالة والحرية وسأذهب للتجوال على شاطئ البحر أو على كورنيش النيل ولن أجد الهواء قد صار مشفرا، والبحر محتجبا بسبب نوادى رجال الأعمال والكبار الذين احتكروا كل شيء حتى هواء البحر ولونه الأزرق.. فقط تركوا لنا السواد فقط في نهاية طرف العلم.. سأحيى العلم رمز مصر التي احتجبت عنا.
fotuheng@gmail.com
 

Advertisements
الجريدة الرسمية