رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الفوضى التعليمية الكُبرى


جلست أتأمل المشهد العام عن التعليم في مصر، وعن أهمية التعليم في تربية العقول، وفى الحقيقة كتبت في سلسلة مقالات سابقة عن التعليم والثقافة والتعليم وقيم المجتمع والتعليم ومهارات التفكير على مدار السنتين السابقتين، ولكنى توقفت في مقالى هذا عند توصيف التعليم الحالى، بل تحجرت الحروف عندما تأملت مشهد تعليم يخلو من قيم المواطنة والمساواة ويدعو إلى التمييز.


تأتى الأنظمة المتوازية المتعددة للتعليم قبل الجامعى في مصر، والقائمة بشكل أساسى على التمييز الطبقى، ويشكل هذا التمييز مجموعة مبادئ ضاربة في مفهوم المواطنة، والتي تتمثل في سيادة القانون والمساواة أمامه وتكافؤ الفرص والشفافية والتوازن بين الحقوق والواجبات. إذ نجد التقسيمات الحالية للتعليم هي: تعليم الفقراء في مقابل تعليم الأغنياء، وتعليم حكومى في مقابل تعليم خاص، وتعليم دينى في مقابل تعليم مدنى، وتعليم محلى في مقابل تعليم دولى، بل نجد تعليما حكوميا رخيصا وتعليم حكوميا رخيص نسبيا أو أزهريا له مواصفات مختلفة. وإذ توقفنا عند التعليم الخاص بمصروفات متوسطة، وهو موجه إلى أبناء شريحة الطبقة الوسطى والمهنيين، وهو خاضع بشكل أساسى لاستثمارات مجموعة كبيرة، ويقوم أساسا على الحفظ والتلقين، وهو بذلك لا يختلف عن التعليم الحكومى.

وإذ نظرنا إلى المدارس الخاصة عالية المصاريف، نجد أن من يتمتع بها أبناء الأغنياء وتصل مصاريفها إلى عشرات الآلاف من الجنيهات، وبالتالى تتيح الفرص للدراسة باللغات الأجنبية، ودراسة المناهج المتطورة وممارسة الانشطة المختلفة. وإذ وقفنا عند المدارس الدولية والتي يتعلم فيها غالبا أبناء كبار المسئولين وكبار الأغنياء وهى مدارس تقدم تعليما بمواصفات جودة عالمية، وتتيح للمتعلمين فرص عمل على مستوى دولى.

فوضى تعليمية كان يقف وراء ذلك منظومة قانونية تتمثل في القانون 136 وتعديلاته، بما ينطوى على قررات وزراية متعلقة بشأن المدارس بأنواعها، وكذلك القانون الخاص بالتعليم الأزهرى، وقانون نقابة المهن التعليمية.

ونحن في الحقيقة عزيزى القارئ نقف أمام ازدواجيات قائمة أساسا على التمييز، وهدفها تغذية الإحساس الزائف بالتفوق والتميز، ودليلى على ذلك أننا نجد في كل منظومة تعليمية ازدواجيتها الخاصة فنجد مثلا في التعليم الحكومى التقسيم (مدنى في مقابل دينى) وداخل التعليم الدينى(مسلم في مقابل مسيحى) ثم نجد تقسيما آخر (عادى في مقابل تجريبى)، ثم (تجريبى في مقابل تجريبى مميز ) ثم (قوميات عربى في مقابل قوميات لغات) ثم (خاص عربى في مقابل خاص لغات) ثم (خاص لغات وطنى في مقابل مدارس قومية دولية).

وما عرضته سابقا بالتأكيد يقضى على فكرة المشترك الواحد الذي يخرج منه مشتركات عامة وقيم ومعايير عامة لتخرج قيم المواطنة الحقيقية الفعلية، وفى الحقيقة كان وراء هذه الفوضى قاعدة استثمار استهلاكى في مجال قيمى لا يجوز التربح فيه، ومن ثم التعليم بهذا الشكل غير قادر على التنمية الحقيقية تنمية الإنسان وتنمية المجتمع، فالإشكالية في تطوير التعليم لا تكمن في إلغاء جزء من منهج، ولا الثانوية العامة؛ بل تكمن في العِلة الأولى والسبب الأول الذي ادى إلى انهيار التعليم ما قبل الجامعى في مصر. وعلى من يهمه الأمر أن يفكر قليلا وينجز في إصلاح ما فعله المرتزقة وأصحاب السبوبة..

التعليم هو مقدمة الإصلاح الاقتصادى والقيمى وليس التعليم ما قبل الجامعى فقط، وإنما التعليم الجامعى أيضا وسوف اتناول هذا الملف في مقالى القادم.
Advertisements
الجريدة الرسمية