رئيس التحرير
عصام كامل

العالم في حضرة عمرو موسى


عندما وصلت إلى فندق ماريوت الزمالك العتيق، تصورت أن حدثا دوليا تدور وقائعه بإحدى قاعاته.. مظاهرة من سيارات الدبلوماسيين تحمل أعلام دول كثيرة تحيط بالمكان.. إجراءات أمنية غير مسبوقة.. كان أمامي سفير اليابان يسأل عن القاعة التي يقام بها حفل توقيع مذكرات عمرو موسى.. عرفت ساعتها أن الحضور جاءوا لعمرو موسى المصري الخالص وصاحب الصولات والجولات الدبلوماسية على مدار عقود عدة.


كانت القاعة رغم اتساعها أضيق من أن تتحمل كل هذا العدد من جمهور الحضور.. «دبلوماسيين وساسة ومفكرين وكتاب وصحفيين وأناس عاديين».. اكتظت القاعة بالحضور الكثيف.. «أفارقة.. آسيويين.. أوروبيين وأمريكيين».. كل دبلوماسيي العالم في مصر جاءوا لحضور حفل توقيع السيد عمرو موسى لمذكراته الصادرة عن دار الشروق، في طبعة فاخرة تليق بتاريخ طويل من الدبلوماسية المصرية.

بدأ الحفل في معناه أبعد من كونه حفلا لتوقيع كتاب، وتعدي ذلك إلى الاستفتاء على قدر هذا الدبلوماسي المصري المخضرم، والذي استطاع أن يكون علامة فارقة في عمر الدبلوماسية المصرية والعربية، وبدا من الحضور أنهم إنما جاءوا تقديرا لهذا الرجل واحتراما لتاريخه !!

وتاريخ عمرو موسى ليس ملكا له وحده، كما أنه ليس من صناعته وحده، فقد كان الرجل "ترسا من تروس" الدبلوماسية المصرية في فترات تاريخية مهمة عاشها مشاركا ومنفذا وصانعا للعديد من أحداثها، والدبلوماسى لا يتصرف من بنات أفكاره إلا فيما يوضع فيه موضع المفاجأة، ويكون تصرفه وفق أجندة دولته.. يترك للدبلوماسي استخدام قدراته الخاصة وملكاته التي أنعم بها الله عليه في تنفيذ ما يطلب منه إلى أن يصبح في موقع يسمح له بصياغة المواقف حسب خبراته وبما يخدم مصالح بلاده.

بعد انتهاء الحفل غادرت المكان لأنفرد بما خطته يد عمرو موسى في الجزء الأول من مذكراته، وأشهد أنى تأثرت كثيرا بالصفحات الأولى من حياته، واندهشت لصدقه في التعبير بأمانة عن صدقه، وتأثرت كثيرا بما كتب عن مرض والده ولحظات حياته الأخيرة التي عاشها رهبة وخوفا على ابنه «على» الذي يعيش في فرنسا وقت الحرب، وكيف تحمل جده لأمه مسألة تربيته وكيف عاش عمرو حياته متأثرا بجده لأمه في طنطا.

مساحات إنسانية مؤثرة في حياة هذا الرجل.. دراما واقعية بتفاصيل معقدة وقدرية لا يمكن تصورها لو قرأناها في رواية لأديب يختلق من الخيال ما يدهش به قراءه.. حياة حافلة بالفشل قبل النجاح.. واقع اجتماعي مغاير لما نعيشه الآن عن مصر والمصريين.. أسرة عريقة يرى فيها الطفل عمرو موسى قادة الوفد التاريخيين رؤى العين، وفي دار جده.. خطبة عصماء يلقى بها الطفل عمرو في مؤتمر انتخابى أيام أن كان في مصر انتخابات!!

قصة حياة حافلة بكل صنوف الصعود والهبوط.. عمل أدبى لا يقطعه إلا أوراق معاهدات واتفاقيات وقرارات قد تكون مهمة إلا أنها تقطع عليك حبل التواصل العميق مع حياة متشابكة ومتقاطعة ومليئة بالمفاجآت.. أكثر من ستمائة صفحة تحبسك بين سطورها فتعكف عليها.. لا تغادرها قبل أن تسأل بعد الانتهاء منها.. متي يصدر الجزء الثانى من هذا العمل الإنسانى العميق؟!

الجريدة الرسمية