رئيس التحرير
عصام كامل

البيانات الرسمية جدا!


في إحدى محطات البنزين الأجنبية سألت الشاب الذي يقف لتموين السيارات عن هوية المحطة، فاستعرض بطلاقة تاريخ تلك الشركة الفرنسية التي كانت مملوكة لرجل وزوجته، وعندما سألته عن الإدارة المصرية قال كل ما أعرفه إنها رفضت منح العاملين رواتب واكتفت بتوزيع البقشيش، وليست لدي أي معلومات أخرى لأن المعلومات عندنا نادرة وعزيزة وليست متوفرة وما يحدث في البنزينة يحدث في عموم مصر والمصريين.


أتحدى أن يتذكر أحد على مدى عمره بيان رسمي واحد شفي غليله وأضاف له أي معلومة ليست عنده، وكثيرا ما كنت أفكر كيف تصاغ البيانات الرسمية، وهل هناك كوادر مؤهلة، وأين تلقت تدريباتها، ومن يراجعها، ومن هو صاحب القرار النهائي في بث ونشر تلك البيانات..

كانت تلك البيانات تعذبني طوال فترة عملي بالديسك المركزي في الأهرام فقد كنت من فرط تفاهة تلك البيانات لا أَجد عنوانا يلخص للقارئ محتوى البيان، وظل مثلا السيد صفوت الشريف يقول نحن نعيش أزهى عصور الديمقراطية لمدة ٢٠ سنة، وظل الدكتور بهاء وزير التعليم الأسبق يقول إن التعليم هو مشروع الأمن القومي لمصر، واستمرت بيانات الرئاسة عقب أي لقاء للرئيس تكرر أنه تم بحث العلاقات الثنائية والأخوية ومشكلة الشرق الأوسط، وظلت المؤسسات المهمة تستعين بالسفراء كمتحدثين رسميين لأن معظمهم منضبط بحكم تربيتهم الدبلوماسية، والكلام الساكت الذي يرددونه بحيث لا تخرج منه بأي معلومة وكأن مهمتهم ألا يتحدثوا، حتى بدا أن تلك هي سياسة الدولة في أن المعلومات هي حكر للسلطة حصريا وليس من حق الشعب معرفتها، بحكم أننا رعايا ومفعول بهم..

وكثيرا ما تم مفاجأة الشارع بقرارات مصيرية ظلت السلطة تتفاوض حولها سرا وفِي النهاية تعلنها للناس بدون أن تقدم وتمهد لها حتى ولوكانت قرارات صحيحة، والمعنى أن هناك قضايا عادلة يديرها محامون فاشلون، وكثيرا ما تراودني فكرة أن أطرح سؤالا واحدا على عشرة مسئولين لكي أتأكد أنني سأتلقي عشرة أجوبة مختلفة تعبر عن قرار واحد وسلطة واحدة.

وكان بيان المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، تعليقا على تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش لا يليق، حيث وصف تقاريرها بأنها صاحبة أجندة سياسية مشبوهة والمنظمة توجهاتها منحازة ومعروفة وتعبر عن مصالح الجهات التي تمولها، وإنها دأبت على ترويج الأكاذيب الخاطئة عن حقوق الإنسان في مصر، ثم كان أن تم إغلاق الموقع الإنجليزي للمنظمة، وهكذا جاء يكحلها فأصابها بالعمى ليضيف لتقرير المنظمة تهمة جديدة بأن مصر ليس بها حرية رأي، مما دعا المنظمة لبث موقع جديد لها باللغة العربية كشفت فيه أنها أرسلت تقريرها للجهات المسئولة قبل خمسة أشهر من إذاعته ولكنها لم تتلق أي ردود، مما يعني موافقة السلطة على محتوى التقرير.

وفِي بيان الداخلية عن حادث استشهاد رجال الشرطة والمدنيين الـــ١٨ في سيناء كان بيانا روتينيا ومستفزا وباردا، عندما يتحدث عن تلفيات بالسيارات قبل أن يتحدث عن الشهداء والمصابين بدون تحديد الإعداد، وربما أراد البيان إلا يضخم الحادث رغم ضخامته، وربما حاول ألا يغطي الحادث على موقعة أرض اللواء التي قامت الشرطة فيها بعمل وقائي رائع، وربما حاول البيان ألا يعطي للإرهابيين الفرصة للشماتة، أو كأن الحادث ردٌ على موقعة أرض اللواء.

وأستطيع أن أرصد آلاف البيانات الرسمية الهزيلة في كل المجالات، ولكن نحن في معركة شرسة وحرب حقيقية لكل منا دور محدد ووظيفة في تلك المعركة، بشرط أن نحث الجميع على ممارسة أدوارهم بدون استرخاء، وذلك بصياغة للحشد ورفع المعنويات، وأن تلك المجازر أو البيانات المشبوهة للمنظمات الحقوقية ليست روتينية، فيتم الاسترخاء والتعود عليها بينما الوطن ينزف من دماء أبنائه وسمعته نتيجة تلك البيانات التي تضر أكثر مما تنفع.

الجريدة الرسمية