رئيس التحرير
عصام كامل

موقعة القطان والقطران


من النادر أن يشاهد الجمهور العربي خناقة سياسية حامية، كتلك التي شاهدها الناس على الهواء في الجلسة الأخيرة لجامعة الدول العربية المتفرقة!


امتد جزء التلاسن في الجلسة إلى نحو ٣٨ دقيقة، حلقة درامية كاملة ممتعة، لأن الأحداث فيها حقيقية، صحيح أنه لا توجد حركة ولا أكشن عنيف، ولا موسيقي تصويرية، لكن الجمل الحوارية، وشرر العيون، وجمود ملامح مندوب قطر، وحيرة رئيس الجلسة مندوب جيبوتي، والإيقاع السريع المتلاحق، وخذ وهات بالألسنة، أوحت جميعها بأننا نتابع وعلي نحو مباشر دراما سياسية حقيقية، وهي إلى المسرح أقرب، لا أعنى أن الأداء كان مسرحيا ولا أعنى أنها مسرحية، إنما اقصد أن قاعة اجتماعات وزراء الخارجية العرب ومندوبى دول الجامعة، كانت بحق خشبة مسرح، لها جمهور داخلي هم الزملاء الصحفيون والإعلاميون، وجمهور داخلي أيضا، بعض مندوبي الدول العربية الأعضاء المتأثرين بالعلاقات المزدوجة مع قطر والإمارات والسعودية والبحرين ومصر، فضلا عن دائرة جمهور أوسع نطاقا، جمهور بالملايين في العالم العربي.

بطبيعة الحال، كانت مؤتمرات القمة العربية، التي كان يشهدها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، والرئيس السوري الحالي بشار الأسد، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، مسرحا دراميا مفتوحا على العالم كله، ونذكر جميعا التلاسن الحاد بين القذافي والعاهل السعودي، والوعيد المتبادل، كما كانت للقذافي قفشات فيها تنبؤات عن مصائر دامية للزعماء العرب، ولم يذكر نفسه!

جلسة الثلاثاء في مجلس جامعة الدول العربية كانت نيرانا متبادلة بالألفاظ، بين وزير الشئون الخارجية القطري سلطان المريخي من ناحية، وبين السفير والمندوب السعودي أحمد القطان، وأنور قرقاش وزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتي، والمندوب البحريني وحيد مبارك سيار وكيل الخارجية البحريني، وبالطبع، كان هناك نجم العرض الوزير سامح شكري الذي انفجرت مصريته فطغت قليلا على دبلوماسيته!

وكان ذلك مطلوبا، وكان ذلك خارج قدرته على ضبط النفس، لأن بجاحة وبرود الوزير القطري استفزت الحضور استفزازا ضاعف منه موقف رئيس الجلسة الجيبوتى، الذي بدا حائرا ما بين تطبيق اللائحة وبين إصرار الوزراء الأربعة لمصر والسعودية والإمارات والبحرين، على التعقيب والرد على أكاذيب ومغالطات وهراء الوزير القطري! هراء لفظة سامح شكري!

كان القطان في غيظ وحنق بالغين، ومارس قدرا ملحوظا من ضبط النفس، وهو يحاول إقناع رئيس الجلسة بأن له الحق في الرد على كلام المندوب القطري فاجر البرود. ولما بدا للقطان أنه لن يحصل على الكلمة، أقسم بالله ألا يغادر دون الرد على التزييف القطري، وقال «المريخي»: «الأخ أحمد قطان نبرته فيها تهديد ما اعتقد أنه على قد هذه المسئولية».

ليقاطعه المندوب السعودي قائلا: «لا أنا قدها وقدود». ورد الوزير القطري:«أما أتكلم أنت تسكت»، وتبعه «قطان»: «لا أنت اللي تسكت». وزيرنا سامح عمل نقطة نظام، ليؤكد حقوق الوزراء الأربعة في التعقيب، وفي نقطة النظام الثانية وجه شكري سلسلة من اللكمات إلى رأس الأفعي القطرية الكاذبة، ولما قال إن لنا حقا ولن يضيع، فإنه وضع يده على جرح دام في قلوب ملايين المصريين الذين يودعون شهيدا!

القطان رد، ونفي أن في نية السعودية الإطاحة بنظام الحكم في قطر، لكنه أضاف إننا دولة كبيرة ونقدر نفعل ما نشاء!

الدكتور أنور قرقاش الوزير الإماراتي كان بليغا كالعادة، وكما هو الحال في تغريداته، فظهر مسيطرا على انفعاله، متمكنا من كلماته، سرد بهدوء وقوة نواحي ضعف الحجج القطرية، وبدا المندوب البحريني وحيد مبارك سيار منفعلا لكنه كان مقنعا فيما سرده من وقائع مست بلاده لعشرين عاما. هدوء قرقاش، يفسر غضب الوزراء الثلاثة الآخرين، فكلهم مكتوون بالتآمر القطري، فالتحريض والقتل والنسف. مفردات يومية في الدول الثلاثة.

لكن لفت نظرى أمر مرير في الحقيقة وهو أن الوزير القطري بدا كالماكينة المبرمجة على سرد وضخ الأكاذيب، وببرود وبوقاحة مست كرامة الدول الأربع.

ومن الواضح أن هذه الحكومة القطرية بأميريها، حمد وحمد، مزروع فيها برنامج، يمكنها من ممارسة الكذب بمنتهى البراءة، وهي تسلك نهج الإنكار بثبات طول الوقت حتى تشكك ضحاياها أنها حاملة الحزام النسف في الخصر العربي القومي.
كان التلاسن حادا، لكنه للأسف لم يقطم رقبة أفعي الأكاذيب القطرية.
الجريدة الرسمية