رئيس التحرير
عصام كامل

مستقبل الأزمة القطرية والاستقواء بالخارج (1)


منذ بداية الأزمة القطرية في مطلع يونيو 2017، ظهرت أطراف إقليمية ودولية في المشهد عارضة نفسها كوسطاء لحل الأزمة، الأمر الذي يتطلب دراسة وجهة نظر قطر في دخول أطراف خارجية في الأزمة، رغم أن المعتاد أن يتم حل الخلافات الخليجية - الخليجية في إطار البيت الخليجي.


بداية، يعود الخلاف القطري الخليجي أو القطري العربي إلى بداية فترة التسعينيات منذ انقلاب الشيخ حمد بن خليفة والد الأمير تميم الحالي على والده الشيخ خليفة عام 1994، ورفض كل الدول الخليجية هذا التصرف كما رفضته مصر آنذاك بل ساعدت بعض هذه الدول الأب للعودة لنظام الحكم مما زاد من درجة العداء بين الأمير الابن ورؤساء وملوك وأمراء الدول الخليجية والعربية.

هذا العداء للأمير الجديد ورفضه من قبل الدول الشقيقة المجاورة وغير المجاورة جعل قطر تنتهج سياسة خارجية مستقلة بها هدفها الأول بقاء النظام السياسي ونظام الحكم في يد أسرة الشيخ حمد وأبنائه من خلال استخدام مقومات الدولة من ناحية والاستقواء بالخارج من ناحية أخرى وهو ما يمكن توضيحه كالتالي:

سعت قطر إلى إحداث شراكة بين الشركات القطرية المنتجة للغاز المسال وشركات عالمية للاستفادة من هذه الشركات كأداة ضغط وقت الحاجة إليها على حكومات هذه الدول بما يحقق أهداف قطر، حيث تمتلك كل من شركة أكسون موبيل وهش الأمريكيتان 30% من أسهم شركة البترول القطرية الحكومية التي تمتلك 70% من الأسهم، ويملك أسهم شركة قطر للغاز كونسرتيوم يضم شركات قطر للبترول وتوتال الفرنسية وأكسون موبيل الأمريكية وشركتي ميتسوي وماروبيني اليابانية وكونوكو فيلبيس الأمريكية ورويال دوتش شل البريطانية الهولندية، كما افتتحت قطر أكبر مصنع في العالم لتحويل الغاز إلى وقود سائل بتكلفة 19 مليار دولار، ونفذته تحت اسم بيرل بالاشتراك مع شركة شل الأمريكية.

هذا وتعد رابع أكبر منتج للغاز في العالم، وتمتلك ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم بوجود 885 تريليون قدم مكعب من الغاز.

1- وتعد قطر -حسب إحصاءات شركة بريتش بيتروليوم- حتى الآن أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وتمثل صادراتها منه، ما يقرب من ثلث الصادرات العالمية من الغاز الطبيعي المسال، وقد قدمت الشركات الغربية لقطر التكنولوجيا التي تساعدها على تجميد الغاز المستخرج وتحويله إلى غاز مسال قابل للتصدير، في حين منعت وصول مثل هذه التكنولوجيا إلى إيران.

2- استخدمت قطر الاستثمارات الخارجية في الضغط على المؤسسات الاقتصادية في الدول التي من شأنها دعم النظام السياسي القطري مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا والصين والهند وسنغافورة والبرازيل، وللتأثير فى مواقفها من الأزمة، والضغط على دول المقاطعة بتخفيف أو إنهاء الإجراءات التي تفرضها على الدوحة، والتي من شأنها عزلها دوليا وإقليميا، حيث تنفذ قطر معظم استثماراتها الخارجية عبر "جهاز قطر للاستثمار"، الذي تقدر قيمة أصوله بنحو 335 مليار دولار، وقد وصل حجم الاستثمارات القطرية في أوروبا إلى نحو 80-100 مليار دولار، وبلغت في بريطانيا 35 مليار جنيه إسترليني، كما تمتلك قطر 34% من ناطحات السحاب في لندن، وفي فرنسا نحو 8 مليار دولار وفى ألمانيا نحو 13 مليار دولار وفى هولاندا نحو 2.33 مليار دولار.

3- اعتمدت الدوحة استراتيجية للأمن الدولي تقوم على "تبني مجموعة من الدول كشركاء للدفاع" لذا قررت قطر منح الولايات المتحدة الأمريكية ثانى أكبر قاعدة جوية في العالم، كما وقعت قطر وفرنسا اتفاق دفاع بين البلدين في عام 1994، وقعت مع تركيا اتفاقيتين عسكريتين في عام 2012، كما وقعت أيضًا اتفاقًا لإقامة قاعدة عسكرية تركية بها كما أن هناك بندًا سريًا في اتفاقية إنشاء القاعدة العسكرية التركية بالدوحة ينص على تعهد تركيا بحماية "أمير قطر".

4- اتجهت قطر إلى الاستقواء بجماعات الإسلام السياسي ليكونوا موالين لها في الحكم بعد سقوط الأنظمة العربية ومن ثم فتحت قطر أبواب إعلامها في قناة الجزيرة لجماعة الإخوان المسلمين لينشروا عداءهم للحكام وإظهار مساوئ الحكم في الدول العربية وعلى رأسها مصر، كما دعمت هذه الجماعات في سوريا واليمن وليبيا ووصل حجم التمويل القطري "المبدئي" للإرهاب نحو 65 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 2010 و2015، وهو ما كشفته أجهزة مخابرات الدول المقاطعة وعكسه قائمتي الكيانات والأسماء الداعمة للإرهاب ومنها شخصيات تنتمي للعائلة الحاكمة في قطر، كما تدعم جماعات ومراكز إسلامية متشددة إذ تشير تقديرات متواضعة من وسائل الإعلام الأوروبية - كما ذكرت صفحة خريطة الجماعات الإسلامية Islamism Map - إلى تقديم قطر 85 مليون يورو لمساجد ومراكز وجماعات يديرها الإخوان في بعض دول أوروبا.

5- سعت قطر إلى التحالف مع تركيا وبناء تعاون استراتيجي بينهما بدأ بتوقيع اتفاقيتين عسكريتين في عام 2012، كما وقعتا أيضًا اتفاقًا لإقامة قاعدة عسكرية تركية بها عام 2015، كما أن هناك بندا سريا في اتفاقية إنشاء القاعدة العسكرية التركية بالدوحة ينص على تعهد تركيا بحماية "أمير قطر"، كما أُعلن في ديسمبر 2014 عن تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي التركي القطري خلال زيارة أمير قطر “تميم” لأنقرة بغية الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين في مجالات الطاقة والاستثمار، خاصة شراء تركيا للغاز القطري المسال بأسعار أقل من العالمية لسد احتياجات الاقتصاد التركي المتصاعدة من الطاقة.

كما سعت قطر إلى زيادة استثماراتها في تركيا فوفق صحيفة “حريت” التركية، فالاستثمارات القطرية في تركيا والتي بلغت (9.5) مليارات دولار، كما يتحدث المسؤولين القطريين عن ضخ 18 مليارًا في السوق التركية، كما يوجد توجه من قبل الدولتين (تركيا وقطر) لتأسيس صندوق ثروة سيادي مشترك.. هذا وقد فازت شركات تركية بعقود تصل قيمتها إلى 13 مليار دولار في مشاريع البنى التحتية في قطر لها صلة بتنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022.

ومن ثم جنت قطر نتيجة هذا التعاون في لأزمتها الأخيرة، حيث جاء التحرك التركي سريعًا وداعمًا لها، حيث صادق البرلمان التركي في 7 يونيو 2017 على قانون لنشر قوات من الجيش التركي في قاعدة عسكرية تركية تتضمن 5 آلاف جندي تركي، ويعكس هذا التحرك السريع أن تركيا تنظر لقطر منذ تولي الشيخ حمد الحكم في النظر بوصفها الحليف العربي الأكثر ثقة.
الجريدة الرسمية