رئيس التحرير
عصام كامل

حيثيات الإدارية العليا بإلغاء قرار منع دخول المحامين نيابة أمن الدولة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

أودعت المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى، حيثيات حكمها برفض الطعن المقام من وزارة الداخلية ووزارة العدل، ضد كل من مالك عدلي وعزيزة فتحى ومحمد عيسى وسامح سمير ومحمد حنفى وأنس صالح ومحمد عذب، بإلغاء قرار الإدارة بامتناعها عن دخول مقار نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس وقضاء مصالح موكليهم من الشارع.


وقررت المحكمة أربعة مبادئ منها المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة ولا يصح وقوفها بالشوارع دفاعًا عن موكليهم، وأن الحق لا يظهر جليا إلا إذا استقام الميزان بين سلطة الاتهام وحق الدفاع، وأنه لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى مقرات النيابة العامة وساحات القضاء وأنه على الجهات الإدارية والقضائية أن تُقدم للمحامين كافة التسهيلات التي تقتضيها القيام برسالتهم.

وقالت المحكمة برئاسة المستشار أحمد الشاذلى وعضوية المستشارين الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ومبروك حجاج نواب رئيس مجلس الدولة أنه وفقًا للدستور فإن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وفى سعيها للوصول إلى الحقيقة، وفى التماس الوسائل القانونية التي تُعينها على تحريها ، وإيصال الحقوق لذويها بما يقيم لها ميزانها انتصافًا، وكفل لهم الدستور الضمانات والحماية الواجبة أثناء تأديتهم حق الدفاع أمام المحاكم وأمام جهات التحقيق والاستدلال ، والتي لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي، وذلك لأن حق الدفاع وثيق الصلة بالخصومة القضائية من زاوية تجلية جوانبها، وتقويم مسارها، ومتابعة إجراءاتها، وعرض حججها بما يكفل تساند دعائمها، والرد على ما يناهضها، وإدارة دفاع مقتدر بيانًا لوجه الحق فيما يكون هامًا من المسائل التي تثيرها الخصومة القضائية، وعلى الأخص من خلال المفاضلة بين بدائل متعددة ترجيحًا لأكثرها اتصالًا بها، وأقواها احتمالًا في مجال كسبها، مع دعمها بما يكون منتجًا من الأوراق ، وأن الدستور تعزيزًا منه لضمانه الدفاع على هذا النحو المشار إليه، لم يُجز للسلطة التنفيذية إهدار هذا الحق أو تقليص محتواه بما يعطل فعاليته أو يحد منها.

وأضافت المحكمة أن  ضمانة الدفاع لم تعد ترفًا يمكن التجاوز عنه، وأن التعلق بأهدابها الشكلية دون تعمق في حقائقها الموضوعية، يعتبر تراجعًا عن مضمونها الحق، مصادمًا لمعنى العدالة، منافيًا لمتطلباتها، وإن إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها أو عرقلتها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها، ليس إلا هدمًا للعدالة ذاتها بما يحول دون وقوفها سوية على قدميها، سواء كان نقضها أو إعاقتها منصرفًا إلى حق الدفاع بالأصالة بما يقوم عليه من ضمان حق كل فرد في أن يعرض وجهه نظره في شأن الواقعة محل التداعى مبينًا حكم القانون بصددها، أم كان متعلقًا بالدفاع بالوكالة حين يقيم الشخص باختياره محاميًا يطمئن إليه لخبرته وقدراته ويراه لثقتهفيه أقدر على تأمين المصالح التي يرمى إلى حمايتها.

وذكرت المحكمة أن الحق لا يظهر جليًا إلا إذا استقام الميزان بين سلطة الاتهام وحق الدفاع، فلا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى مقرات النيابة العامة وساحات القضاء، ولذا وجب أن يمارس المحامون مهنتهم في استقلال، لا سلطان عليهم في ذلك إلا لضميرهم وحكم القانون، وأن تُذلل لهم كافة الصعاب والعوائق بما يجعلهم قادرين على إدارة شئون القضايا الموكول إليهم الدفاع عنها، وإلا كان القول بحق الدفاع وإعماله واقعًا وراء جدران صامته، وذلك لأن الحقوق التي يكفلها الدستور أو النظم القانونية المعمول بها، تتجرد من قيمتها العملية، إذا كان المنوط به ممارستها عاجزًا عن بلوغها، فالنصوص الدستورية تظل جامدة في قوالب صامته لا تدب الحياة فيها إلا بمراعاة تخومها، بتطبيقها  ، وتنفيذها، والاهتداء بها، والاحتكام إليها، لا أن تظل حبيسة المداد الذي سطرت به.  ولما كان دستور مصر الحالى نسخ بنص المادة (54) منه، كل نص في قانون الإجراءات الجنائية يسمح بإجراء التحقيق مع المتهم في غيبة المدافع عنه،  ولذا يقع على عاتق النيابة العامة أن تمكن من يُجرى معه التحقيق من الاتصال بمحاميه، وأن لا تبدأ التحقيق معه إلا في حضوره، وأن تيسر له سبل الاتصال به، وأن تُمكنه من معرفة كافة الدلائل والأدلة في شأن الاتهام المنسوب إليه، وأن تيسر له سبل الاطلاع على جميع الأوراق والتحقيقات.

واستطردت المحكمة  أنه إذا كان واجب المحامي الدفاع عن المتهم سواء أكان مُوكلًا من قبله أو منتدبًا من جهة التحقيق أو المحكمة، وأن يبذل ما في وسعه وقدر طاقته لأداء رسالته، فإنه يقع على عاتق الجهات الإدارية بمقار المحاكم والنيابة العامة والشرطة وغيرها من المرافق العامة، أن تُقدم له كافة التسهيلات التي يقتضيها القيام برسالته على الوجه المطلوب، وأن تضع من الوسائل والمُكنات ما يحفظ عليه كرامته، وبالتالى فإنه إذا ما أقدمت أو قامت الجهة الإدارية بوضع أية عوائق أو عراقيل من شأنها  منع المحامى من دخول المقار سالفة الإلماح أو كان في دخوله إليها ما يمس أو ينال من كرامته، فإنها بذلك تهدر  حقًا من الحقوق الدستورية الذي لا يملك المشرع عند تنظيمه له أن يقيده بما يمس أصله وجوهره ، ومن باب أولى لا تملك الجهة الإدارية قيده بما يعصف بمحتواه، أو عرقلته أو الحيلولة دون ممارسته بما يُضيق من مداه، فإذا ما أقدمت الإدارة على مخالفة للدستور في هذا الشأن  سواء عن عمد أم انزلقت إليه بغير قصد، يتعين تصويبها وردها إلى جادة الصواب والمشروعية.

واختتمت المحكمة  أن الواضح  من الأوراق، ومن الصور الفوتوغرافية المرفقة بملف الطعن،  أن جهة الإدارة منعت دخول المحامين لمقر نيابة أمن الدولة في التجمع الخامس بالقاهرة وفقًا للسبل المعتادة، وأجبرتهم على الوقوف في الشارع العام خارج سور المبنى  لتقديم طلباتهم وممارسة رسالتهم  وقضاء مصالح مُوكليهم، وقد أرسل المطعون ضدهم -وهم جميعًا من المحامين- برقيات تلغرافية أُرفق بالأوراق صور طبق الأصل منها إلى الطاعنين "بصفتهم"، ذكروا فيها وقائع منعهم من دخول مبنى النيابة العامة بمعرفة قوات الأمن، ومنعهم من مقابلة وكلاء النيابة لمتابعة قضايا وكلائهم أو لإنجاز أعمالهم، وإجبارهم على تقديم طلباتهم من خارج السور المحيط بالمبنى المشار إليه سلفًا، ولم تصدر الجهة الإدارية قرارًا بما يمكنهم من دخول مبنى النيابة العامة، ولم تقدم ما يثبت أنها اتخذت الإجراءات اللازمة لإزالة وتذليل العقبات المشار إليها بما يحفظ على المحامين كرامتهم،ويمكنهم من أداء رسالتهم بكل سهولة ويسر، فإن مسلك جهة الإدارة الطاعنة على النحو المتقدم، يكون مخالفًا للدستور والقانون.
الجريدة الرسمية