رئيس التحرير
عصام كامل

تعليمات ترامب ومناورة تميم ويقظة مصر !


تعلم دارسو العلوم السياسية في مادة الدبلوماسية أن لكل حرف في تصريحات المسئول السياسي معني يقاس بموازين الذهب وأن الحرف الواحد قد يؤدي إلى معني وحرف آخر قد يؤدي إلى معني آخر.. ورغم تعليق السعودية لحوارها مع قطر فعلينا محاولة فهم ما حدث وادي إلى التغير السعودي فجأة بعد إعلان اتصال تميم بمحمد بن سلمان بأقل من ساعتين؟!


نبدأ القصة من الأول.. فعندما تقول وكالات الأنباء ظهر الجمعة أن الرئيس ترامب اتصل بحاكم قطر وقال له حرفيا "أهمية الالتزام بتعهدات قمة الرياض والحفاظ على الوحدة لهزيمة الإرهاب"! ولأن رؤية مصر عن الإرهاب غير رؤية السعودية غير رؤية قطر فأن ترامب لم يترك لنا المجال لنجتهد ونفسر معني الإرهاب الذي يقصده فقال في ذات التصريحات التي نقلتها وكالات الأنباء "إنهما بحثا أيضًا استمرار التهديد الذي تمثله إيران على استقرار المنطقة" فأي استقرار يقصده ترامب وإيران تدعم قطر؟ أم أنه يقصد دول أخرى لها مشكلات مع إيران؟ هل هي السعودية؟ هل هي العدو الإسرائيلي؟ وقبل أن نجيب تبث وكالات الأنباء من البيت الأبيض عن لقاء ترامب مع أمير الكويت الذي تطرق طبعا للأزمة العربية مع قطر فقال أقصى ما يمكن فعله حيث قال حرفيا: إنه "إذا لم تحل أزمة قطر بسرعة فإن البيت الأبيض قد يلعب دور الوساطة"!

نترك ترامب وأمريكا كلها ونذهب إلى القنبلة التي بثتها وكالات الأنباء مساء الجمعة والتي أعلنت عنها وكالة الأنباء السعودية التي قالت "تلقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز اليوم اتصالا هاتفيا من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني أبدى الأخير خلاله رغبته بالجلوس حول طاولة الحوار ومناقشة مطالب الدول الأربع".. وبشكل مختصر اضافت الوكالة ما اعتقدت أنه شرح لما جري فقالت: "أن بن سلمان رحب برغبة أمير قطر في الحوار وأنه سيتم إعلان تفاصيل المكالمة بين بن سلمان والشيخ تميم لاحقا بعد أن تنتهي السعودية من التفاهم مع الإمارات والبحرين ومصر"!

إذن لم يعلن عن كل تفاصيل الاتصال وأن هناك أمورا يجب مراعة مواقف الدول الأربع وموافقتهم عليها قبل إعلانها ولذلك لو انتقلنا إلى ما أعلنته وكالة الأنباء القطرية عن الاتصال نفسه سنجدها تقول حرفيا: "إن أمير قطر وافق على طلب ولي العهد السعودي بتكليف مبعوثين لبحث الخلافات بين بلاده والدول الأربع على نحو لا يتعارض مع سيادة الدول مضيفة أن المكالمة جاءت بتنسيق من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب"!

وعلينا أن نلحظ جملة "لا يتعارض مع سيادة الدول" وكذلك جملة "أن الاتصال تم بتنسيق من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب"! ومن كل ما سبق نفهم إصرار الولايات المتحدة على حرب عربية إيرانية أو قل فتنة الصراع السني الشيعي وأن لكي يتم ذلك فلابد من إنهاء المشكلات القائمة أولا خصوصا وأن داعش كعدو يتواري ويهزم الآن كما أن قطر تعلن انها لن تقبل ما يتعارض مع "سيادتها" وأن الاتصال تم بتدخل من الرئيس الأمريكي وإنما جري تقديرا له وليس تقديرا لا لأمير الكويت ولا للمصالح العربية ولا من أجل عيون الأشقاء.. وهو ما أغضب الأمير محمد وأدى إلى إعلان السعودية إنهاءها للحوار مع تميم!

وهكذا نعود إلى ما قلناه مرارا منذ بداية الأزمة.. إنه ورغم أي شيء ستبقي مصر وحدها صاحبة الحق الأصيل في الخلاف مع قطر..لأن خلافها معها جذري وليس ثانويا.. حقيقي وليس وهميا.. به دم وحقوق وأشياء عزيزة وغالية قدمتها مصر.. والأهم للمستقبل: أن مصر وبيقين لن تذهب لصراع سني شيعي تعلم أنه ليس من أولوياتها وأن نتائجه خسائر على الجميع، وأن الرابح منه إسرائيل وحدها وأنه التفاف على فشل الربيع العربي.. لأن الهدف هو تدمير المنطقة ودولها واستنزاف ثرواتها بأي طريقة.. والسلام!
الجريدة الرسمية