رئيس التحرير
عصام كامل

هيئات الإعلام خارج الخدمة


بعد ما يقرب من الشهور الخمس على تعيينات هيئات الإعلام الثلاث للصحافة والتليفزيون والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وهي الهيئات البديلة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون والمجلس الأعلى للصحافة ووزارة الإعلام لم يتغير شيء في المشهد الإعلامي المضطرب، بل ربما ازداد الموقف غموضا بعد توزيع دماء المهنة بين ثلاث هيئات ما يفرقهم أكثر مما يجمعهم.. بل إن هيئتي الصحافة والتليفزيون لا تعطيان أهمية كبيرة للمجلس الأعلى بزعم أنه لم يرد نص في الدستور يجعل منه مرجعية للهيئتين.. وكان أن دبت الخلافات ولم تعد هناك جهة معلومة مسئولة عن إدارة شئون الإعلام في أخطر فترة تمر بها مصر وتقاطعت حدود العلاقات بين الهيئات الثلاث.. في نفس الوقت الذي تعمل فيه الهيئة العامة للاستعلامات بعيدا عنهم.


ربما يكون الوقت مبكرا لتقييم التجربة.. ولكن الوضع المؤسسي والمالي لمؤسسات الشعب الإعلامية من صحافة وتليفزيون لاتحتمل استمرار النزيف.. ولا أحد قادر على المواجهة بشجاعة خاصة وأن قرارات تشكيل تلك الهيئات هو سر ضعفها من حيث أراد المشرع أن يكون سر قوتها.. حيث منح القانون عدة جهات حق ترشيح أعضاء منها لعضوية تلك الهيئات.. وكانت النتيجة خليط غريب بدون توافق وفيما يبدو أن جانبا كبيرا كان مكافأة للبعض لفواتير سابقة.. أو ترجيح لأهل الثقة على كل الكفاءات والخبرات.

وبدا أن الرضي الأمني هو الأهم وإن العلاقات الشخصية مع مراكز القوى الجديدة هي التي حسمت التشكيلات.. وكان أن ظهرت التعيينات في المناصب المهمة بالصحف والمجلات متسقة تماما ومناسبا وعلي قياس تلك الهيئات.. وليس على متطلبات المهنة والمرحلة لكي نكتشف أن منصب وزير الإعلام على الأقل في تلك المرحلة كان مهما وأجدى من عدة هيئات تتصارع على الاختصاصات والمقرات والمزايا.

ووسط ذلك ازدادت مشكلات المؤسسات الإعلامية وبدأت الحكومة تتولى الصرف عليها بدءا من متطلبات الطباعة والورق والأحبار ومرورا بالمرتبات وانتهاء بالأرباح والحوافز والمكافآت رغم خسارة جميع المؤسسات.. ولهذا تركزت جهود تلك الهيئات في الطلب من الحكومة الصرف بدون رؤية أو خطة.. بل إن الأمور داخل المؤسسات الخاسرة مستمرة كما هي بل وتتوسع في مشروعات مكررة.. وستجد مثلا في كل مؤسسة عشرة مواقع إلكترونية كلها تحمل لوجو المؤسسة بسياسات مختلفة.. وربما يكررون نفس المضمون كما في ماسبيرو عشرات القنوات المتخصصة وكلها تقلد القنوات العامة في هدر متعمد للقضاء على أي أمل في الإصلاح.. وحتى عندما خرجت وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد بالقول إن هناك خطة للإصلاح.. كان الدكتور أشرف العربي الوزير السابق يردد القول نفسه ولم يفعل شيئا حتى يظل المعبد والكهنة في أماكنهم.

والخلاصة إنه لم يصل لعلم ولاة الأمر أن الإعلام ليس دعاية وتطبيلا ورسائل مباشرة فجة ولكنه فن ومهارات وإبداع تعتمد بالأساس على العنصر البشري المؤهل ثم المناخ الذي يسمح بالتعددية وفقا لنص الدستور.. وليتذكر الجميع أن قناة واحدة في دويلة على الخليج صنعت منها دولة يعمل لها الكبار عدة حسابات.. لأن التأثير ليس بالأموال فقط ولكنه بالأساس في مضمون الرسالة الإعلامية واحترافية الفريق الذي يقدمها.

وحتى فيما يتردد- وبه قدر من الصحة- من أن هناك محاولات تمت ويتم التوسع فيها بإنشاء إعلام موازٍ للسلطة لم يستفد من التجارب الرسمية العديدة الفاشلة سواء في الصحف أو التليفزيون.. وبدا أننا محترفون في إعادة إنتاج سلبيات الماضي في إعلام التعبئة.

الحل ببساطة يكمن في إعادة قراءة مهمة تلك الهيئات المنصوص عليها في الدستور بأن يكون إعلام الدولة مستقلا ومعبرا عن كل الاتجاهات والمصالح الاجتماعية المختلفة.. وليس أبواقا دعائية تنتهج رؤية واحدة.. وهو ما يخالف الدستور والتطور الطبيعي لعلم وصناعة الإعلام في العالم كله.
الجريدة الرسمية