رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

نقسم البلد نصين!


افتقد المخضرمون أمثالنا لقطة اختفت عن مصر مُنذ سنوات، وقت ما كُنت تشتري ساندوتش من محل رايق، وتمشي تاكله في الشارع النضيف، أو على القهوة -الرايقة برضو- وانت بتقرا الأخبار المكتوبة في ورقة الساندوتش، والتي لا يخفيها بُقع الزيت اللي نازل من الطعمية المقرمشة، طبعًا دلوقتي الزيت بييجى على شاشة الموبايل وإحنا بنقرا الأخبار برضو، بينما لا الشارع فيه نظافة أو أخلاق، ولا المطعم رايق، ولا القهوة كذلك؛ فالصخب والتلوث في حياتنا صارا القاعدة التي لا شذوذ لها، رغم أنهم علمونا زمان أن لكُل قاعدة شواذ؛ إذن فنحن ربما نحيا الآن في عالم شاذ لا قواعد له، وربما لو له قاعدة تبقى قاعدة الشذوذ عن القاعدية، وكفاية كده ولندخُل في الموضوع!


كُنت أتناول الطعام وأنا أقلِّب الأخبار على عجلة في الموبايل، عجلة يعني باستعجال، مش راكب عجلة يعني؛ فكُلنا نعرف أن العجلة من الشيطان، وسموها كده ليه؟ لأن أي توك توك يظهر فجأة من تحت الأرض كفيل بأنه يطحنك بعجلتك لو مشيت بيها في الشارع، طيب أمشي بالعجلة في البيت مثلًا؟ مُمكن، لكن لا تأمن أبدًا مكر التوك توك؛ لأنك مُمكن تلاقيه في أي مكان في مصر ولو حتى تحت سرير حضرتك!

طبعًا لو سلمت من التوك توك فلن تسلم من الميكروباصات اللي بتمشي وتركن في أي خُرم في البلد، ولو حتى تحت سرير حضرتك برضو، ومش بعيد تصحى على صوت سواقين الميكروباصات بيتخانقوا مع سواقين التكاتك تحت السرير برضو على أولوية الركن أو المرور، دة طبعًا غير البلطجي اللي استغل حتة فاضية جنبيهم وعمل فيها باركنج كُل دوره فيه إنه يلم الإتاوة من أصحاب السيارات الملاكي لو رغبوا في إنهم يركنوا، ودايمًا عبارته الملزَّقة زي فوطة حضرته "كُل سنة وإنت طيب"!

ولو كُنت تحيا في عالم آخر وشاء الحظ أن ينقذك من كُل هؤلاء، فبالتأكيد سيدهمك تروسيكل طائر بعدما تظنه مجرَّد موتوسيكل وإنت سايق العجلة، اللي من الشيطان عرفت السبب بقى؟ فتفاجأ بأن بوزه الذي عرضه تلاتين أربعين سنتيمر ليس أكثر من مُجرد تمويه للمفاجأة، بعد أن ياخدك كتف تروسيكل غير قانوني يجيبك الأرض إنت والعجلة، وتسيح في دمَّك، والشيطان يقف يضحك عليك وهو في غاية الفرحة بسبب إنه هياخد مكافأة إجادة على هذا الهلاك الذي ألقى بك إليه، وإنت فاكر إن مش هيحصل لك مكروه لو نزلت الشارع بالعجلة أو حتى من غيرها، بينما لو كُنت ناصح بما يكفي فلن يكفيك أن تقاطع الشارع وتقرر عدم النزول إليه، فهذا لا يكفي لاتقاء قاعدة الشَر التي تخلو من الشذوذ كما أشرنا، لكن كمان المفروض متنزلش من على سريرك، وأرجو إنك متكونش لحقت تنسى إيه اللي تحت السرير، لو نسيت اطلع فوق فقرتين تلاتة وراجِع، وأرجو إنك لا تحتاج لدروس خصوصية في هذه المراجعة كمان!

المُهم وقد طالت المُقدمة بسبب التكاتك والتروسيكلات والميكروباصات، فالخبر كان: إصابة 20 شخصًا في معركة بالأسلحة الآلية بسوهاج، وعندما تقرأ التفاصيل تكتشف أن سبب المعركة التي اندلعت بين عائلتين اسميهما (خميس) و(الغرايزة) كان نزاعًا حول تسمية نجعين بالقرب من منطقة نفوذيهما، حاجة زي خناقات الزوج والزوجة لما يكون هو عاوز يسمي البنت (جلنار) على اسم أمه، بينما هي مش عاجبها الاسم وشايفاه قديم وسخيف، وعايزة تسمي (وصيفة) على اسم أمها لأنه أكثر روشنة!

قُلت لنفسي وأنا أبتلع آخر قطمة من الساندوتش ـ قضمة من الشطيرة علشان أخواننا المصححين مياخدوش على خاطرهم ويخلوها علبة تونة بدل الساندوتش متعرفش إزاي ـ المُهم قلت لنفسي طيب ليه مقسموش البلد نُصين؟ مش يسموا البنت اسمين لأ، إحنا بنتكلم على النجعين مش البنت، ماهو الزوج والزوجة لو كانوا ناصحين كانوا خلفوا توءم وسموا إحداهما (جلنار) والأخرى (وصيفة) ونخلص، المُهم أن العائلتين زرقهما الله فعلًا بتوءم نجعين؛ يعني مُمكن نجع منهما يتسمى (جلنار) والآخر (وصيفة)، عفوًا.. قصدي أحدهما يُسمى (خميس) والآخر (الغرايزة) ونخلص!

لكن الطمع البشري يا عزيزي، وغرور القوة أديا لتمسُّك أولاد (خميس) بتسمية النجعين على اسم (جلنار)، قصدي (خميس)، وبالتالي اندلعت الحرب رغم أن الطرف الآخر كان مادد إيده بالسلام إحنا بدينا بالسلام، ووافق فعلًا على تسمية كُل نجع باسم كُل عائلة وخلاص، لكن حظه المنيل أن الدُنيا لم ترُد عليه بالسلام زي ما حصل في الأغنية الأصلية، وبدأ الطرفان في التناحُر وفين يوجعك، وفي الآخر أصيب 20 نفرا من الجانبين، والغريب أن استخدام أسلحة نارية في معركة مثل هذه ينتج عنه مصابين فقط كأن الأسلحة كانت محشوة بونبوني!

طبعًا لم أتطلَّع لوجود قتلى أو أطمع في هذا، لكن الأمر كُله مثير للدهشة والاستغراب، من أول تسمية النجعين من جانب الأهالي كأن البلد مفيهاش حكومة ولا محافظة ولا مجلس محلي ولا مكتب بريد أو صحة، لحد الوصول للمعركة اللي بالأسلحة النارية المحشوة بونبوني هذه، ده طبعًا مرورًا بالرغبة المتوحشة من جانب أولاد (خميس) في رفع رايتهم واسمهم على النجعين معًا دون التفريط في أحدهما مُقابل العيش في سلام مع ولاد (الغرايزة)، وبدأت في البحث عن المزيد من التفاصيل في الهاتف المحمول، لكن للأسف الشحن فصل وأنا لسَّة لم أرتو بما يكفي من هذه القضية العجيبة، عرفت إيه فايدة ورقة الجورنال اللي كان بيتلف فيها الساندوتش زمان؟ مكانتش بتفصل شحن!
Advertisements
الجريدة الرسمية