رئيس التحرير
عصام كامل

أسئلة بريئة للرقابة الإدارية!


شغلت الرأي العام المصري، خلال الستة أيام الماضية، قضيتان جوهريتان، إحداهما تخص بلطجة واقعة التجمع الخامس، وبطلها المدعو إبراهيم سليمان وثلاثون من أنصاره، تتصدرهم مشعلة الحريق زوجته المنتقبة نسب إليهم أنهم اعتدوا بالضرب العنيف على لواء متقاعد وأسرته حتى السحل وهتك العرض.. لم يتح للصحف والبرامج الفضائية متابعة القصة التي استفزت الناس لثلاثة أيام، تفوقت فيها المتابعات الشخصية داخل صفحات فيس بوك، على التغطية الخبرية المطبوعة أو الإلكترونية أو حتى الفضائية.. هدأ الناس قليلا بنبأ وصور القبض على عصبة إبراهيم وبلطجيته، وشعروا بارتياح بالغ للقبض على المرأة التي أشعلت الحادثة بعجرفتها وتعاليها وازدراء القانون.


ولأن الرأي العام المصري اعتاد على الدراما الحية الواقعية تحت ناظريه، من بعد رمضان حتى يحين رمضان التالي، فإن أسعار الخرفان النار شغلتنا بضع ساعات، إلى أن جاءنا الطعام الرئيسي للهري اليومي، وهو نبأ إلقاء القبض على سعاد الخولي نائب محافظ الإسكندرية، في عصور ثلاثة محافظين متتاليين.. كالعادة كانت الرقابة الإدارية هي البطل، وقبلها بأيام ألقت القبض على قاض وعلى مدير جمارك، وعلى بتوع مخازن في وزارة الصحة، ومع ذلك فإن سعاد الخولي بالذات كان لخبر القبض عليها ضجيج مسموع، وأصوات أقرب إلى الزغاريد.

رائحة تشف سادة الشارع، ربما لثبات موقعها رغم فسادها، وربما لعدد رجال الأعمال الذين سهلت لهم، وربما للمنسوب إليها من مصوغات ذهبية، وأراض وشقق وشاليهات، ولسوف يتحولون إلى شهود عليها ويستفيدون من نص المادة اللعينة في القانون المصري، التي تبرئ الراشي إن اعترف على المرتشي!

شكلها أيضا يوحي بالقوة والصلابة والمراوغة، في أحاديث تليفزيونية، وهذا كله جعل الناس يحتفلون بفضحها احتفالا.. حالة التشفي العام في المجتمع محتاجة دراسة من علماء الاجتماع المصريين، لكن حالة انسعار الأغنياء والشبعانين وقبولهم وممارستهم للفساد هي وجه العجب العجاب حاليا.. اللصوص اليوم أصحاب مناصب عامة، والمناصب العامة تحميها اختيارات الأجهزة الرقابية منذ البداية وطوال شغل المنصب العام، وحتى خروجه.

الحملات الداهمة التي تطارد كل فاسد في كل موقع مهما علا شأنه مجهود ونشاط يجب أن نرفع له القبعة احتراما وتقديرا وتشجيعا.. ويتساءل الناس في الشارع عن عدد الشرفاء في مصر، لأن الأغلبية على هذا النحو صارت موضع ارتياب.. فساد قضاة وفساد ضباط، وفساد وزراء، وفساد صحفيين، وفساد مهندسين، وفساد محامين.. سيبقى الفساد إلى يوم الدين، لكن الشرفاء هم الغالبون.. واليوم مال على أذني حلاقي الخاص الطيب وسألنى: همه سابوا سعاد الخولي السنين دي كلها إزاي؟ همه مش كانوا عارفين أن إيدها طويلة؟!

أكيد يعني ما كانوش نايمين على ودانهم

والحقيقية أن السؤال دار في ذهني وسايرته قائلا:
- مش عارف سابوها ليه صحيح؟ يمكن علشان بقية الخيط يكر ومعاه عنقود الحرامية؟!

السؤال بجدية كاملة محتاج إجابة من رجال الرقابة الإدارية، لماذا تتركون الفاسد ينعم حتى السرقة الثالثة والرابعة والعاشرة، لماذا لا نكبح جماحه ونحطم شهوة لصوصيته؟ لأنه من غير المعقول أنكم لم تكونوا شممتم رائحة العفن الضاربة!

لماذا تتركون الفاسد يكوش وينشر فيروس الفساد؟ إنه بما يحققه من ثروات سريعة بلا مجهود، من خلال الإخلال بواجبات وظيفته، يقدم النموذج الناجح لتحقيق الثراء على قفا دولة يظن أن رقابتها نائمة.. حسنا أجهزة الرقابة يقظة ونشيطة وجبارة لكن لماذا أحبالك طويلة؟!

نموذج سعاد الخولي متغلغل، وسنرى كل يوم مفضوحا أو مفضوحة جديدة.. طبعا كثرة القبض على المفاضيح هؤلاء، ربما تشيع الانطباع بأن البلد تعوم على بحر من العفن. تلك حقيقة، بحر ترعة محيط، ليس مهما، إنها تعوم لكن المهم عدم السكوت، وتجفيف هذه المجاري الآدمية البشعة، والضرب على أيديها بمنجلة.

سؤال أخير لأبطال الرقابة الإدارية: ألم تراجعوا أوراق وملفات وتاريخ السيدة سعاد وغيرها ممن سيليها في سلم القبض والفضح، وتأكدتم أنها الطاهرة العفيفة؟! هنا اللغز الذي ينتظر الجواب الشافي!
الجريدة الرسمية