رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

محفوظ عبد الرحمن رفض أحمد زكي لبطولة «ناصر 56»


محفوظ عبد الرحمن اسم له دلالات خاصة، إنه النموذج الذي ربما من الاستحالة تجد له مثيلا أو شبيها، لا أعرف كيف أكتب عن هذا المبدع المختلف كل الاختلاف عن جميع من سبقه.. وعن من عاصره، ومن الصعب أن لم يكن مستحيلا أن يأتي محفوظ عبد الرحمن آخر، هذا ليس لأنه بصمة متميزة، أو لأنه متنوع الإبداع وتميزه، إذا تحدثت عن السينما فلا بد أن تذكر فيلم "ناصر 56" وتأثيره في الشارع المصري والعربي، وفي الدراما من يتجاهل "بوابة الحلواني" و"أم كلثوم "، ومن منا لا يتذكر إبداعاته المسرحية "بلقيس" و"حفلة على الخازوق" و"الحامي والحرامي" هذه بعض النماذج فقط..


لكن كان رسالة محفوظ عبد الرحمن واضحة لكل ذي عينين، يؤمن بعروبة الوطن، يؤمن بالعدل الاجتماعي، يؤمن بحق وحرية المواطن في وطنه، لم تتغير قناعاته، تغير الرؤوساء والحكومات ولم تتغير قناعاته السابقة، قبل 25 يناير 2011 وبالتحديد 29 من ديسمبر 2010، وفي لقاء معه في حضرة بعض المثقفين، قال أحدهم: أستاذ محفوظ أراك ما زلت بقناعاتك وكأنك تتمنى ثورة يوليو جديدة!!؟

ابتسم عم محفوظ قائلا: دع ثورة يوليو بمالها وما عليها لكن ألا ترى أننا في مصر الآن ما أحوجنا إلى ثورة تغير من المجتمع للأفضل!!؟

أعرف عم محفوظ عبد الرحمن منذ أكثر من عشرين عاما، لكن كمبدع وواحد من أبرز كتاب المسرح فكان من قبل هذا بكثير، كان في اللقاء الأول سألته عن دور الدراما التاريخية في المجتمع؟ هل الدراما مجرد حكايات يتسلى بها المشاهد؟ ومدى الواقع والحقيقة في هذه الأعمال؟ كان هذا أول طريق للتعرف والقرب على أحد أبرز كتاب المسرح والدراما والسيناريو في مصر والعالم العربي، والأكثر من هذا الإنسان الخلوق المدهش في الرقي الذي يتمتع به، أذكر يومها قال: الدراما التاريخية لها أهمية كبيرة وخطيرة، لا بد أن نتعلم منها الدروس والعبر، عندما نقدم مصر في القرن التاسع عشر فنحن في حاجة ماسة لنتعلم من دروس نتيجة نجاحات محمد علي وما حدث من الذين جاء بعده..

عندما نقدم تاريخ قناة السويس التي دفع الشعب المصري من شبابه مائة وعشرين ألف شهيد في زمن كانت مصر عدة ملايين، الدرس ليس هذا فقط لكنه حذر من أن التاريخ يعيد نفسه فالويل كل الويل لو عاد التاريخ وتكررت نفس أخطائنا مرة.. وللأسف يحدث في العالم العربي تكرار نفس الأخطاء!

الوسام الذي أضعه على صدري هو قربي من هذه القامة، لأنها أصبحت بعدها علاقة صداقة بين الأستاذ.. وتلميذه العاشق لإنسانيته.. وثقافته.. وتواضعه الجم، المدهش وأتحدى أن يختلف معي أحد، كل من تعامل مع الأستاذ محفوظ عبد الرحمن لا بد أن يشعر بالأبوة والحب والتواضع من هذا الرجل العظيم، من اللقاء الأول معه.

تكررت اللقاءات، وكثرت الاتصالات التي كانت تمتد بالساعات، ومحظوظ من يستمع إلى صوت وثقافة وتواضع والقيم المسمى محفوظ عبد الرحمن، وفي أحد شهور رمضان فوجئ العالم العربي بعمل جبار بمسلسل "أم كلثوم" الذي جعلها وكأنها عادت الحياة مرة أخرى، ونجح المسلسل نجاحا مبهرا، وكان نجاح هذا المسلسل السبب في موضة اجتاحت الدراما المصرية والعربية لتقديم حياة المشاهر، مسلسلات أسمهان وليلى مراد وجمال عبد الناصر والإمام الشعراوي والشيخ المراغي.. إلخ.. لم أجد الملحن العبقري محمد الموجي في المسلسل، فسألت عم محفوظ قال: كان موجود فعلا وطلبت بعض المعلومات من ابنه -"الموجي محمد الموجي"- لكن تعجبت أنه يشترط أن يقوم بدور والده.. فقررت حذف الجزء الموجود خاصة أنني كنت أحتاج معلومات مهمة من أسرته!

المعروف أن دور السنباطي الفنان أيمن عزب، وقام أحمد رياض السنباطي بأداء الأغاني التي قدمها المسلسل بدلا من أيمن عزب، وكان رائعة لتشابه صوت الفنان أحمد السنباطي بصوت والده.

أما فيلم "ناصر 56" أحد الأعمال الرائعة إلى نجحت نجاحا مبهرا، وتقبل المواطن الفيلم بحب بصورة غير متوقعة خاصة أنه كان أول فيلم تاريخي وطني ربما منذ فيلم رد قلبي والناصر صلاح الدين، كتب قصته الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن، وكان المخرج محمد فاضل في تفكيره الفنان الكبير أحمد زكي للقيام بدور الزعيم جمال عبد الناصر، ورفض الكاتب الكبير الترشيح، من منطلق لا يوجد أي شبه، وقيام أحمد زكي بهذا الدور يعد مغامرة ومجاملة لا مجال لها، خاصة أن هذا العمل يعد الأول عن الزعيم جمال عبد الناصر سواء في السينما أو الدراما بكل أشكالها.

علم الفنان أحمد زكي فأصابه الضيق والحزن، خاصة أنه أحد أحلامه تقديم حياة عدد من زعماء مصر على رأسهم جمال عبد الناصر، وحاول في التليفون إقناع عم محفوظ عبد الرحمن لكنه فشل، الذين يعرفون الكاتب الكبير يدرك مدى تمسكه الشديد بكل حرف يكتبه وآراءه في الأبطال الأساسيين، وهنا تحكي الفنانة سميرة عبد العزيز زوجة الكاتب محفوظ الرحمن قائلة: في أحد الأيام وفي ساعة مبكرة جدا، فوجئت بجرس الباب ففتحت الباب لتصاب بحالة من الهلع، أمامها الزعيم جمال عبد الناصر، فقد قام الفنان أحمد زكي بتنفيذ مكياج ناصر 56 كاملًا وذهب لعم محفوظ لكي يقنعه أنه قادر على تقمص دور الزعيم!

الطريف بعد هدأت الفنانة من المفاجأة وعلى الباب وبصوت ناصر قال لها أحمد زكي: ممكن يا هانم أفطر مع الأستاذ محفوظ أصلي عازم نفسي عندكم على الفطار!

وكان موقف مدهشا من الراحل أحمد زكي وعبقريته التي أقنعت عم محفوظ بقيامه بدور الزعيم جمال عبد الناصر!
الحديث يطول عن الراحل الكبير لكن ألا تنتبه الدولة أنها مقصرة تجاه هذا المبدع والمجتمع عندما تتجاهل الجزء الأخير من بوابة الحلواني التي تروي تاريخ مصر؟! للأسف تهرب المسئولون سنوات طويلة من استكمال المسلسل الرائع، ربما يشعرون الآن ببعض الحياء بتقصيرهم وينفذون الجزء الأخير من بوابة الحلوني.
Advertisements
الجريدة الرسمية