رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

في معية يوسف (23)


كان من دعاء الحبيب «صلى الله عليه وسلم»: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال».. ولأن الأيام دول، كما يقول المولى تعالى: «وتلك الأيام نداولها بين الناس» (آل عمران: 140)، يوم لك ويوم عليك، يوم تحقق فيه انتصارا، وآخر انكسارا، ومن ثم على الإنسان ألا يبتئس أو يحبط إذا أصابه مكروه أو حلت به نازلة، وأن يصبر ويحتسب ويكل أمره إلى الله تعالى، وليعلم يقينا أنه سبحانه سوف يبدل حاله إلى ما هو أفضل.. فقط، عليه ألا يستسلم للأحزان وأن يأخذ بالأسباب ويستعين بالله تعالى ويتوكل عليه، وأن يتعامل مع الواقع بجد، فلا يتراخى أو يتكاسل.. في قصة يوسف (عليه السلام)، تجلى هذا الأمر واضحا في موقف الأب يعقوب (عليه السلام).. فقد عاد إخوة يوسف إليه دون أن يكون معهم أخوهم بنيامين..


نظر الأب إليهم ودارت في ذهنه معان كثيرة، وتساءل: أين بنيامين، ولماذا لم يأتِ معكم؟ فأخبروه بما حدث.. تلقى الأب الخبر وهو غير مصدق.. تذكر العهود والمواثيق التي قطعوها على أنفسهم قبل ذهابهم إلى مصر، وأيقن أن في الأمر شيئا غير صحيح.. قال: «بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا» أي زينت لكم أنفسكم أمرا، وما أرى إلا أنكم تكذبون وتختلقون رواية تتهمون فيها بنيامين بالسرقة.. ثم استدرك قائلا: مع ذلك.. لست أملك إلا الصبر الجميل، أي الصبر الذي لا جزع معه..

وتداعت على ذهنه ذكريات الماضي، فتذكر يوسف ومصيبة فقدانه والألم والحزن الذي إصابة ولا يزال، فقال: «عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا» فيجمع شملنا بهما ويقر أعيننا برؤيتهما معا «إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ»، فالله تعالى هو الأعلم بحالي ومدى حزني عليهما، وهو سبحانه الحكيم في تدبيره وتصريفه.. ثم («تَوَلَّى عَنْهُمْ» أي مضى تاركا إياهم وهو يقول «يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ» أي يا لحزني وألمي ووجعي لفراق يوسف.. وهكذا، عندما تحدث لنا مصيبة، فإنها لا تؤلمنا فحسب لكنها تذكرنا وتعيد إلينا كل المصائب السابقة، وكما قيل الأسى يبعث الأسى ويثير الأحزان..

واشتد به الحزن العميق والبكاء الشديد لدرجة أنه فقد بصره «وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ».. ويبدو أن هذه الحالة قد أثارتهم، فقالوا «تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ» أي لا تفتأ تتفجع على يوسف «حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ» أي حتى تمرض مرضا تشرف به على الهلاك، أسى وحسرة ووجعا، وهو ما قد يودي بك إلى الموت.. فرد قائلا: «إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ» أي لست أشكو همي وحزني إلى أحد، وإنما أشكو إلى الله تعالى فهو وحده سبحانه القادر على إزالة همي وحزني، لأني أعلم منكم برحمته وإحسانه وكرمه «وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ»، وأرجو أن يبعث إلى بالفرج من عنده..

في تلك اللحظة، يبدو أن الله تعالى استجاب له، وقذف في قلبه إحساسا بأن يوسف لا يزال حيا، لذا قال «يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ» أي اذهبوا إلى أرض مصر وحاولوا أن تتلمسوا طريقا يوصلكم إلى يوسف وأخيه، ولا تقنطوا من رحمة الله «وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ»، فلعل الله تعالى يمن علينا باللقاء بهما، ثم ختم حديثه إليهم قائلا: «إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ».
(وللحديث بقية إن شاء الله)..
Advertisements
الجريدة الرسمية