رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

رجل من مصر.. بهي الدين بركات (1 – 2)


هو واحد من كبار السياسيين المصريين، الكثيرون لا يعرفونه، ولم يسمعوا عنه.. فقد عرف عنه النزاهة ونظافة اليد، والرغبة الشديدة في البعد عن الأضواء، والزهد في المناصب.. وهو ابن فتح الله باشا بركات، أحد أعضاء الوفد المصري.. وخاله سعد زغلول.. وكان من الأثرياء حيث امتلك مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية.. فهو صاحب "بساتين بركات" الشهيرة، وتولى العديد من المناصب، فبعد حصوله على الدكتوراه في القانون من فرنسا، وعودته من أوروبا تم تعيينه وكيلا لوزارة الحقانية "العدل حاليا"، ثم أصبح وزيرا للحقانية، ثم وزيرا للمعارف، كما تولى رئاسة مجلس النواب مرتين، ثم رئاسة ديوان المحافظة، كما عرض عليه تشكيل الوزارة أكثر من مرة.. وبعد حركة الضباط الأحرار، أو ثورة 23 يوليو 1952، كان على علاقة وثيقة باللواء محمد نجيب، وتمتع بثقة كبيرة من الضباط الأحرار، ولذلك كان رأس مجلس الوصاية على العرش.


كان بهي الدين بركات شديد الاعتزاز بكرامته ومبادئه مهما كانت الظروف.. شديد الحزم في قراراته، مهما كانت العواقب؛ مما دفع الجميع إلى احترامه وتقديره، سواء من العائلة المالكة، أو رؤساء الأحزاب أو الصحفيين، وكان معظمهم أصدقائه، وعلى رأسهم مصطفى أمين.. حتى الملك فاروق نفسه.. ومن بعده رجال الثورة.

اختار موضوع رسالته للدكتوراه، التي كان يعدها في فرنسا، حول "الامتيازات الأجنبية" les Capitalizations، وكان في ذلك الوقت وزير المعارف إنجليزيا، وكان عم بهي بركات يعمل وكيلا لوزارة المعارف، فتلقى أوامر مباشرة من الوزير الإنجليزي أن يبلغ ابن أخيه تليفونيا في باريس لكي يغير موضوع رسالته لأنه يسيء إلى الإنجليز وضد مصالحهم.. وبالفعل اتصل به عمه لكنه رفض الأمر تماما، بل رفض حتى مناقشته، وكان رده: "الموضوع هيفضل زي ما هو حتى لو هتموتوني".

وعقب عودته من فرنسا عام 1923 توسم فيه خاله سعد زغلول العقل الراجح والحكمة المبكرة، فضمه إلى مجلسه في "بيت الأمة"، حيث كان يجمع رجال الوفد المصري، ومنهم والده فتح الله باشا بركات، ومصطفى باشا النحاس، وغيرهم.. ولم يكن بهي قد وصل إلى منتصف الثلاثينيات من العمر.. ومع ذلك كان الزعيم حريصا على أخذ رأيه في نهاية النقاش.. وكان يصدق على هذا الرأي قائلا: "رأيك صحيح يا بهي الدين".

وفي أحد الأيام نشر في الصحف صباحا أن بهي الدين باشا بركات تم تكليفه بتشكيل الوزارة، وتصادف أنه كان على موعد للقاء صديق له، يتوجها معا إلى "بساتين بركات".. وكان قد طلب منه أن ينتظره تحت الساعة بمحطة مصر، في الحادية عشرة صباحا.. وانتظر الصديق أن يتصل به بركات ليؤجل الموعد.. وكان معروفا عنه الدقة البالغة في المواعيد، لكنه لم يفعل.. بل فوجئ به يحضر في الموعد بالضبط.. فقال له: "مبروك يا باشا على الوزارة"، فرد عليه: "هو انت ماعرفتنيش؟!.. أنا اعتذرت عن تأليف الوزارة.. أحكم ازاي، وأنا عارف كويس إني لن أستطيع حل مشكلات البلد ولا حتى جزء منها؟!.. أحكم علشان أتبسط وبس، والناس يقولوا ده رئيس وزرا؟!".
Advertisements
الجريدة الرسمية