رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

خيال مآتة في البيت الأبيض!


لا يمكن أبدًا أن نتجرأ وأن نخلع على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو أي إنسان عادي حتى، وصف الرجل الذي لا لزوم له، ولا يمكن أبدًا أن أتجرأ وأن أخلع عليه اللفظ البلدي الدارج بين العوام، حين يصف الناس مسئولا بأنه طرطور، لأنه لا يجوز أدبًا ولا قانونًا، ثم هو رئيس دولة عظمى ممكن ينهبل في عقله أكثر مما هو فيدعو مجلس الأمن ويجيش علينا جيوش الباب السابع العقابي من ميثاق الأمم المتحد "الأمريكية"!


ومن المؤكد أن بني وطنه يمطرونه ليل نهار بما هو أفدح وأفضح، لكن يمكن، في نهاية المطاف وصف الرجل المقيم في البيت الأبيض بأنه خيال مآتة! ما من اتفاق احترمه، لا مع ناخبيه ولا مع الروس ولا مع الصين ولا مع العالم في قمة المناخ.. وعوده الانتخابية يتراجع عنها كل يوم وعدًا بعد الآخر، وطاقم الجنرالات والمستشارين ينفضون من حوله، ووزير خارجيته تيلرسون هدد بالانسحاب قبل شهر، لكنه تراجع بعد أن تراجع أمامه ترامب، وبات في الإدارة الأمريكية رئيسان، واحد معلن والثاني بدرجة وزير خارجية..

تحركه الدولة العميقة في الولايات المتحدة وتصريحات ترامب يلغيها تيلرسون ولا اعتراض.. هي إدارة، كما حذرت في هذا المنبر "فيتو".

قبيل قمة الرياض الأمريكية العربية الإسلامية، التي هبر بكلمتين مراوغتين نصف تريليون دولار لدعم الاقتصاد الأمريكي، بدعوى الحماية وتسكين الأنظمة، من أنه مهدد بالعزل بعد المحاكمة! بل إنه بات يسأل عن ضمانات خروج آمن له ولأسرته ولطاقم إدارته!

كان، قبل أن يكون رئيسًا، يخطب ود روسيا معجبًا بقوة بوتين، فلما صار انقلب على الروس ووقع قرارًا بحرب تجارية شاملة على الاتحاد الروسي، ولم يبد في مواجهة الكونجرس سوى بعض الامتعاض.

ومع مصر خلى البحر طحينة ومدح وأسرف في المديح والحب، ودعم الاستقرار، وإذ فجأة عاد أوباما مكانه! قرار الكونجرس ضد مصر، بحجب وتأجيل مساعدات مقررة في شقيها الاقتصادي والعسكري، يعكس بلا جدال، قوة أجهزة المخابرات والخارجية، وتراجع تأثير البنتاجون الذي كان في العادة مناصرًا للمؤسسة العسكرية المصرية.. من الواضح إذن أننا عولنا على حيطة مائلة، بل شريرة، بل قوة لا يجوز الاعتماد عليها، بل إن مخطط التخريب وسوء النوايا لا يزال مستمرًا، ببساطة لأن الرئيس الموجود بالبيت الأبيض متفرغ لإدارة مشكلاته الشخصية وخناقاته العائلية.

فقد هيبته بسبب من قراراته المتضاربة وتقلباته المزاجية وطريقته الاستعراضية.. أوقفوا المبلغ الحقي ٢٩٠ مليون دولار لأن الدولة المصرية أوقفت حنفية الدولارات المفتوحة في جيوب عملاء حقوق الإنسان ودكاكين الخيانة رأسا من واشنطن وقطر وتركيا رغم أنف الدولة، ممن انخرطوا في النهب والتخريب والتحريض على وطنهم.. وقف المساعدات عقاب لشعب مصر من أجل مجموعة العملاء رافعي شعار حقوق الإنسان، وما فعلوه هو بالضبط ما كان دعوة صريحة لغراب الخراب في مصر سعد الدين قبيل الخامس والعشرين من يناير المؤامرة! لقد تم تدمير وتفكيك الاتحاد السوفيتي الراحل بالشعار ذاته، والخطة ذاتها موضوعة لمصر، لكن الشعب الذي أحبطها في ثورة الثلاثين من يونيو قادر على مواجهة مؤامرة التمويل لزعزعة استقرار البلاد.

هل الإدارة الأمريكية مصابة بانفصام في الشخصية؟
لا يحتاج اكتشاف هذا الفصام أي مجهود علمي، لأنها تعلن أمرا وتأتي بغيره.. تتحدث عن احترام سيادات الدول وعدم التدخل في شئون الغير، وأن أمريكا أولا، ومع ذلك يطالعنا الأحمق بتهديدات في كل اتجاه! الصبح يهدد كوريا الشمالية، والظهر يهدد إيران، والعصر يهدد باكستان، والمغرب يهدد كوريا ثانية لأن الشاب الكوري الشمالي كيم جونج أونج أشد جنونًا منه فأصابه بهوس الرد والسباب!

العالم يعيش مع ظاهرة صوتية مسرحية الأداء اسمها دونالد ترامب.

بالطبع لا يجوز الظن بأن مصر لم تتوقع الانحراف الأمريكي الحالي والرجوع إلى خط التآمر الطبيعي المرسوم من أيام المرحومة المجحومة كونداليزا رايس، ونظن أن الإدارة المصرية متحسبة له، وفي ذلك يمكن فهم طبيعة وضرورة الزيارات الأخيرة لوزير الخارجية سامح شكري إلى روسيا ومجموعة من الدول السابقة في المنظومة السوفيتية، ومن المتوقع أن تعزز مصر علاقاتها مع الصين أكثر.. لم يحدث قط أن وقع من الشرق الآسيوي غدر علينا أو بنا.. كل الغزوات والمؤامرات جاءت من الغرب، على جانبي الأطلنطي، أوروبا وأمريكا..

ما ظهر من الإدارة والكونجرس الأمريكي، هو الجزء الأعلى من جبل الجليد، ترتطم به سفينة العلاقات المصرية الأمريكية، خاصة أن مصر بادرت بالرد السريع على الإجراء الأمريكي المهين، ببيان قوي مفعم بالاستغراب ويصم من قرر حجب هذا الجزء من المساعدات بأنه يسيء تقدير العلاقات المصرية الأمريكية.

إننا نرى أوباما في البيت الأبيض، تحت المكتب البيضاوي!
ربما يتصل ترامب بالقاهرة ويطمئن ويبرر، وسوف تبتسم القاهرة متعففة متأففة.. لقد قرفنا من هؤلاء الأمريكيين حقًا.
Advertisements
الجريدة الرسمية