رئيس التحرير
عصام كامل

ليديا يؤانس تكتب: عيد العذراء

فيتو

بالنسبة لكل بني البشر، العبرة بالنهاية، فتُقاس عظمة الإنسان بالنهاية وليس البداية، وعلى ذلك نحن نحتفل بيوم النياح، وخاصة بالنسبة للقديسين والشهداء (أي يوم مماتهم) وليس يوم ميلادهم.


يبدأ الصوم المعروف بصوم العذراء مريم، ومدته خمسة عشر يومًا، في الأول من شهر مِسرى، والذي يوافق السابع من شهر أغسطس من كل عام.

بعد خمسة عشر يومًا أي 22 أغسطس، تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بعيد القديسة العذراء مريم، وتُطلق عليه الكنيسة عيد إصعاد جسد العذراء مريم إلى السماء، محمولًا على أجنحة الملائكة ورؤساء الملائكة.

في الواقع الكتاب المقدس بعهديه، تكلم في آيات قليلة عن السيدة العذراء، التي حملت وولدت الإله المُتجسد، وتقريبًا لم يأت ذكر العذراء مريم في الكتاب، بعد ما تكلم المسيح على الصليب، وقال "يا يوحنا هو ذا أُمك" (أي العذراء)، وقال لها "هو ذا ابنك" (أي يوحنا الحبيب)، ظلت العذراء في بيت يوحنا نحو 14 سنة حتى نياحتها، ربما جاء ذِكر العذراء بعد ذلك عندما كان يجتمع التلاميذ وهيّ معهُم.

كلمة "مريم" معناها المحبوبة أو سيدة، هذا الاسم الجميل كان يفضله ويعشقه العبرانيون وكانوا يطلقونه على بناتهم.

لم يذكر الكتاب المقدس بالتحديد يوم نياحتها، ولكن ما يُقال عن نياحتها وإصعاد جسدها إلى السماء وتستند إليه الكنيسة الأرثوذكسية، معروف مِنْ خلال التقليد وأقوال الآباء الأوائل الذين عاصروا العذراء، وكانوا شاهدين على نشأة الكنيسة في أيامها الأولى.

ليست العذراء مريم أول من أُصعد جسدها إلى السماء، فأخنوخ النبي ذهب مع الله، ولم يوجد، وليس له قبر في الأرض.

إيليا النبي أرسل الله مركبة نارية حملته إلى السماء، وليس له قبر في الأرض.

أيضا موسى النبي حين جاء يوم مماته، صعد إلى جبل نبو، وقال له الرب: هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم واسحق ويعقوب، قائلًا لنسلك أعطيها قد أريتك إياها بعينيك ولكنك إلى هناك لا تعبُر.
ومات موسى حسب قول الرب، ودفن في أرض مواب، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم.

لماذا أخفى الله قبر موسى؟
أخفى قبره لئلا يعبُده بني إسرائيل!

أما العذراء مريم فقد تم إصعاد جسدها بعد نياحتها، طبقًا لأقوال الآباء، وشهود القرن الأول الميلادي الذين عاصروا أحداث التجسُد الإلهي، وعاصروا نياحة العذرء مريم، فليس من اللائق أو المنطقي أن يُدفن ويتحلل في التراب، الجسد الذي حمل الطفل الإلهي، فتقول كلمة الله "لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس"، جاء المسيح ليأخذ بشريته من جسد العذراء مريم، فكان لابد من تكريم جسدها وإصعاده إلى السماء حتى لا يُعاين فسادًا.

ماذا نعرف عن العذراء مريم قبل أن تنال شرف الأمومة للسيد المسيح؟

أبواها هُما يواقيم وحَنة، كانا بارين ولكنهما كانا عاقرين، فعقد يواقيم صومًا من أربعين يومًا، وذهب في خلوة إلى مكان في الصحراء، وطلب من الله بلجاجةِ أن يُعطيه نسلًا، في نهاية الأربعين يومًا ظهر له الملاك جبرائيل (غبريال)، ويُطلق عليه أيضًا "ملاك البشارة"، فبشره بأن امرأته ستحبل وتلد ابنة يكون عن طريقها خلاص العالم.

حملت حنة وأنجبت الطفلة مريم، وكان من شدة رغبتهما في النسل أنهما نذرا نذرًا، أن الابن أو الابنة الذي سيُعطيه الرب لهما استجابة لصلواتهم يُقدماه للرب، وكان الأطفال المنذورون للرب يقيمون في أحد الأروقة المُلحقة بالهيكل.

عاشت مريم تخدم في الهيكل، أي في أحد الأروقة المُلحقة بالهيكل، مع باقي الأطفال المنذورين، ولكنها ذاقت اليُتم مُبكرًا، فمات والدها وكان سنها ست سنوات، ثم أمها وكان سنها ثماني سنوات، وعندما وصلت سن البلوغ 12 سنة، كان لابد من خروجها من الهيكل!

وبحكم أنها يتيمة، صلى الكهنة أن يُرشدهم الله، فكانت استجابة الصلاة برؤيا رآها الكاهن زكريا، كانت الرؤيا أن يجمعوا العصى الخاصة بالرجال الذين تنتمي إليهم مريم وهم رجال بيت لحم، لأن مريم من بيت لحم، كان في القديم الرجال يحملون العصي لكي يحموا أنفسهم وخاصة من الكلاب.

وضع الكهنة العصي أمامهم وصلوا، فوجدوا أن العصا المكتوب عليها اسم يوسف النجار هي التي أفرخت وأخرجت براعم، فكانت هذه معجزة وعلامة على أن السماء اختارت يوسف، الذي تخطى التسعين من عمره، ليكون هو الرجل الذي سيأخذ مريم إلى منزله، هذا بالإضافة إلى علامة أخرى، وهي أن حمامة بيضاء جاءت واستقرت على رأس يوسف، ثم عمل الكهنة إجراء قانونيا، نظرًا لأن مريم ستنتقل إلى منزله، الكهنة أمسكوا بيد مريم ويد يوسف، وباركوهما ببركة الزواج الرسمي، وهذا العقد الرسمي هو الذي حمى مريم من أن تُرجم حينما حملت في المسيح.

أكثر من مرة يُطلق الكتاب على يوسف أنه رجل مريم أي زوجها، فهو كان زوجا رسميا، بدليل أن الملاك حينما ظهر له قال له: لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، وبالرغم من ذلك مريم كانت بتولا، وولدت المسيح ومازالت بتولا، وظلت بتول كل أيام حياتها.

المسيح عاش مع يوسف النجار حتى سن 16 سنة، وتنيح يوسف عندما كان عمره 111 سنة، ولذا يعتبر عمره كان 95 عامًا عندما انتقلت مريم إلى منزله.

هل تعرفون من الذي وضع صوم العذراء مريم؟

الذي وضع صوم العذراء، هيّ العذراء مريم بذاتها، فبعد صلب المسيح وقيامته وصعوده، اعتادت السيدة العذراء على زيارة القبر المقدس، كانت تذهب مع عذارى جبل الزيتون، وكانت تصلي وتصوم، لذلك عرف هذا الصوم بصوم العذراء، وهي أول من صامته، ثم بعد ذلك الآباء الرسل صاموه.

العذراء منذ نعومة أظفارها كانت تصوم وهي طفلة، وكما يذكر التقليد أنها كانت تُعطي طعامها للفقراء وتظل هي صائمة، فكانت تشفق عليها الملائكة وتأتيها بطعام، كذلك أيضًا لما كبرت كانت تصوم، فهذا هو منشأ صوم العذراء.

قبل نياحة العذراء، ظهر لها المسيح رب المجد، وأخبرها أن حياتها ستنتهى، وقال لها أنت تحملت كثيرا من أجلي، سآخذك على السحاب ونذهب إلى المكان الذي أقمنا فيه أكبر مدة طويلة في مصر، وهو جبل قسقام، أخذ العذراء والآباء الرسل على السحاب ومضى بهم إلى جبل قسقام، ودشن الكنيسة بذاته، ولذا حسب التقليد فإن هذه الكنيسة الموجودة بجبل قسقام (أي الدير المحرق) هي الوحيدة التي دشنها المسيح بنفسه، ثم رجعوا إلى أورشليم، وبعد ذلك تم إصعاد جسد القديسة العذراء مريم إلى السماء.

من عام لعام ننتظر صوم العذراء المبارك، ونختمه بالاحتفال بعيدها، الذي يحتفل به كل الناس، كل الطوائف، ويحتفل به المسلمون والمسيحيون.
كل عام وحضراتكم بخير.
Advertisements
الجريدة الرسمية