رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ثقافة الكتل الخرسانية!!


المسافر إلى العاصمة الأمريكية واشنطن يحرص على زيارة البيت الأبيض ويفاجأ بأنه بلا كتل خرسانية ولا كردونات أمنية ولا أكمنة ونقاط تفتيش، هو فقط محاط بسياج (سور) حديدي مفتوح يسمح للمشاة والزائرين رؤية كل ما يدور خلفه، بل من حق الزائر الدخول إلى البيت الأبيض والتجول فيه، حتى والرئيس الأمريكي موجود بداخله، وكذلك "البنتاجون" مقر وزارة الدفاع الأمريكية وأيضًا الكونجرس كل هذه المؤسسات هي الأهم في العالم ومؤمنة بأحدث وسائل التأمين، ولكن لا يشعر به أحد طبعًا بعيدًا عن الخرسانات، وليست أمريكا فقط بل معظم دول العالم حاليًا نادرًا ما تشاهد أسوارا أو كتلا خرسانية حول قصورها الرئاسية أو مؤسساتها العامة أو الخاصة..


وهذا بالطبع انعكس على تفكير وحياة المواطنين، فأقاموا منازلهم بلا أسوار بل بالزجاج وسط الغابات والحدائق الشاسعة، حتى السجون عندهم كذلك، وبعض الدول ألغت السجون تمامًا هذا هو الحال في أوروبا وأمريكا وبدأت بعض الدول العربية تحذوا حذوهم، فلا كتل خرسانية في الشوارع ولا أفراد أمن، ولكن الدنيا كلها مؤمنة بأحدث الوسائل التي تستطيع ضبط المجرم حتى قبل ارتكاب جريمته، عكس الوضع تمامًا في مصر يوميًا تزداد الأسوار الحديدية والكتل الخرسانية حول المؤسسات والمنازل والأندية، بل وصل الأمر إلى غلق الشوارع بالكامل، وبعض المؤسسات والجهات لم تكتف بسياج واحد فقط فأحاطت نفسها بعدة أسوار مبانٍ ثم حديد ثم خرسانة.

هذه الثقافة انعكست أيضًا على تفكير وحياة المواطن وجعلته يعتقد أنه لا يملك فقط منزله أو محله التجاري بل أيضًا الرصيف والشارع، ووضع أمامه كتلًا خرسانية أو أعمدة حديدية بشكل مقزز ومعها ضاعت الأرصفة والشوارع وزادت أزمة المرور والانتظار، وانتشر البلطجية الذين امتهنوا وظيفة الركين أو السايس (لا تجدها سوى في مصر)..

وهذه المشاهد كلها سواء من انتشار الكتل الخرسانية والأعمدة الحديدية والبلطجية تؤكد أن الدولة غائبة تمامًا، وأن الأجهزة المحلية شيعت جنازتها منذ زمن بعيد.. فــ"الشارع والرصيف والمرور" هي جميعها عنوان الحضارة والتقدم، وحينما يخرج الزائر أو السائح والمستثمر من مطار القاهرة ويرى هذا المشهد، بالإضافة إلى جبال القمامة سوف يفكر مليون مرة في العودة ثانية إلى مصر.

الأكثر غرابة في مشهد الكتل الخرسانية والأسوار التي تتزايد عددًا وارتفاعًا، حينما تكون حول جهات سيادية، وهنا يجب أن نتساءل إذا كانت هذه الجهات لا تملك أحدث وسائل التأمين بعيدًا عن الأسوار وغلق الشوارع.. فكيف هو حال المؤسسات الأخرى والمواطنين؟!

التأمين المادي بهذه الطريقة بالتأكيد أنه أكثر تكلفة من التأمين الحديث الذي لا يشعر به أحد، والمجتمعات الغربية حينما اتجهت إلى أقصى درجات الانفتاح حققت أقصى درجات التقدم والرفاهية وجودة الحياة، وعقبالنا حتى نودع ثقافة الكتل الخرسانية التي أصبحت تحتل شوارعنا وعقولنا.
Advertisements
الجريدة الرسمية