رئيس التحرير
عصام كامل

مدير مركز القاهرة للتنمية والقانون: «قلة التربية» وراء تحرش أعضاء هيئات التدريس بالطالبات

فيتو

  • مصر عرفت ظاهرة التحرش منذ الخمسينيات
  • التقييم النفسي لأعضاء هيئة التدريس جزء من الحل
  • الخطاب الرسمي جاد في مكافحة التحرش
  • لسنا بحاجة لقوانين ولكن الأزمة في تفعيلها
لم يكنْ سقوطُ "أستاذ الجامعة" في "بئر التدنى والتردى" مفاجئًا ولا صادمًا لأولى الأبصار الذين يرقبون "عودة المجتمع المصرى" أخلاقيا إلى الخلف بسرعة الصاروخ، وسط استسلام صارخ وعجز واضح من الجميع، فقد اتّسع الخرقُ على الراقع، كان كثيرون ينظرون إلى "أستاذ الجامعة"، باعتباره من "أصحاب المقام الرفيع"، ولكن أمام "شيطان الجنس".. يسقط الكبارُ، أو من كنا نظنهم كبارا، من عليائهم ومن أبراجهم العاجية بأعجوبة، فلا يخجل "أستاذ جامعى"، من ابتزاز طالباته، كما حدث في الواقعة الأخيرة التي أزعجت الرأى العام، وسبقتها وقائع مشابهة في الجامعات والمدارس "وقعدات الدروس الخصوصية"، وستتلوها وقائع أخرى، "الجنسُ مقابل النجاح والتفوق"، شعارُ يرفعه بعض من دفعتهم الأقدار دفعا، إلى اختراق مهنة "المعلم"، الذي لم يعد رسولا، كما كان يتمنى أمير الشعراء "أحمد شوقى"، بل صار "مُتحرشًا"، و"مُبتزًا"، و"ذئبًا"، عن تسلل تلك الظاهرة البغيضة إلى المؤسسات التعليمية، باختلاف درجاتها، وسبل مواجهتها، وتجفيف منابعها النتنة،.. "فيتو" حاورت انتصار السعيد مدير مركز القاهرة للتنمية والقانون حيث أكدت إن تحرش الأساتذة بطالبات الجامعات سيؤدي إلى عزوف البنات عن الالتحاق بالتعليم الجامعي، خصوصا في المناطق الريفية، مشيرة إلى أن النشأة النفسية سبب الانحراف الجنسي للمعلمين.

السعيد طالبت بضرورة تقييم أعضاء هيئات التدريس والتخلص من العناصر المنحرفة داخل المدارس والجامعات، مشيرة إلى أن القوانين الموجودة حاليا كافية لمواجهة ظاهرة التحرش.. وإلى نص الحوار


- هل التحرش فعل خارج حديث العهد على مجتمعنا المصري أم عرٌف قديم؟ وما العوامل التي أدت لانتشاره على هذا النحو؟
التحرش موجود منذ منتصف القرن المنقضي، ولكن كان يندرج تحت مسمى «المعاكسة» وكان في الأغلب لا يتعدى التحرش اللفظي، إلا أن الأمر بدأ يأخذ أطر أخرى أعنف، مع حالة الانفتاح التكنولوجي وعصر العولمة والممارسات العنيفة بين البشر تحول إلى تحرش جسدي عنيف، وفقا لطبيعة المجتمع والتغييرات التي طرأت عليه.

- هل تحول الاعتداء الجسدي من قبل أساتذة على طالبات داخل الحرم الجامعي إلى ظاهرة أم لا يزال حالات فردية؟
لا يمكن أن نرصد وقائع التحرش الجنسي داخل الجامعات والمؤسسات التعليمية المصرية، بمعزل عن حوادث التحرش في المجتمع المصري ككل، إلا أن هذه الوقائع تدق ناقوس الخطر إلى كارثية الجريمة وما وصلت إليه من انتهاك حرمة المؤسسة التعليمية والإطاحة بالآداب والقواعد العامة التي تحكمها، من أشخاص مهمتهم في الأساس التنشئة والتوعية والتثقيف وتصحيح المفاهيم المغلوطة.

- برأيك ما العوامل التي أدت إلى تكرار وقائع التحرش الجنسي داخل الحرم الجامعي من قبل أعضاء هيئة تدريس؟
ربما يتعلق الأمر هنا، بالظروف النفسية والاجتماعية التي نشأ فيها المعلم أو عضو هيئة التدريس المتحرش، وربما يعاني البعض من انحراف جنسي، يؤثر بدوره على سلوكه مع الطالبات، فأعضاء هيئة التدريس، أفراد يحملون نفس ممارسات المجتمع والظروف التي أحاطت به منذ الصغر، والدرجات العلمية ليست بالضرورة تغير من هذه السلوكيات، وهنا يأتي الحديث عن تقييم نفسي داخل المؤسسات التعليمية لتقييم سلوك أعضائها، قبل أن يسند إليهم مهمة تعليمية يتعامل فيها بشكل مباشر مع الطالبات، وبالتالي لن تصبح الكفاءة أو الدرجة العلمية المعيار الوحيد للانضمام لهيئة التدريس.

- هل تكرار مثل هذه الجرائم له تأثير على مؤشرات تراجع نسب الالتحاق بالمرحلة الجامعية لدى الإناث؟
بالطبع، ربما يؤثر تكرار حوادث التحرش الجنسي داخل الجامعات، إلى عزوف أعداد ليست بقليلة من الطالبات عن الالتحاق بها، ولاسيما في الأقاليم والقرى المصرية، التي لا تزال تحافظ على تقاليد القرية، وبالتالي ربما يلجأ ولي الأمر إلى منع فتاته من استكمال تعليمها الجامعي مخافة تعرضها لمثل هذه الحوادث غير الأخلاقية.

- هل التشريعات الموجودة في القانون المصري كافية لمحاسبة مرتكبي التحرش أم نحتاج إلى المزيد؟ وهل الأزمة بالفعل تكمن في مواده أما في آليات تفعيله وتطبيقه؟
لا، الأزمة لا تكمن في التشريعات، فهناك حزمة من القوانين الخاصة بمعاقبة المتحرش، في قانون العقوبات والمواد التي تم تعديلها داخل القانون ذاته، بقرار من المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية السابق، التي تعاقب المتحرش سواء لفظيا أو جسديا أو عبر الهاتف أو الشبكة العنكبوتية من ستة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة مالية تصل إلى ٥٠ ألف جنيه، إلا أن هذه المواد تفتقر إلى آليات تفعيلها وتطبيقها، ولاسيما أن ذات المواد التي وضُعت لمعاقبة المتحرشين تحمل ثغرات يستطيع من خلالها الإفلات من العقوبة، وبخاصة أن أغلب الأحكام الصادرة ضد المتحرشين تكون غيابيا وهنا يلجأ المتهم للمعارضة لإسقاط الحكم، وبالتالي يصبح مبدأ العقاب غير مؤثر على النحو الذي يحد من الظاهرة وتداعياتها.

ما الضمانات القانونية والمجتمعية التي تحمي المجني عليها؟
عمل محضر بالواقعة ورصد تفاصيلها كاملة بوصف دقيق، دون خجل حتى لا يتم إهدار حقها، ويفضل وجود شاهد على الواقعة، وكذلك اصطحاب المتحرش إلى قسم الشرطة أثناء تحرير المحضر، وتحويل القضية إلى النيابة العامة، لتأخذ مسارها القانوني الصحيح.

برأيك إلى أي مدى نجحت مساعي منظمات المجتمع المدني في التوعية بخطورة الظاهرة ؟
منذ عام ٢٠٠٨ قادت منظمات المجتمع المدني النسوية، حملة موسعة للتنديد بالظاهرة ومدى خطورتها على المجتمع المصري ومزاجه العام، ازداد نشاطها خلال حالة السيولة التي خلقتها ثورة يناير، وفتح المجال العام، ومبادرة عدد من الفتيات لسرد وقائع تحرش جنسي تعرضن لها، في مشهد لم يعتده المجتمع المصري من قبل، وكذلك الدعم القانوني والنفسي للمعتدى عليهن، بالإضافة إلى الدور الذي لعبته وسائل الإعلام للتحذير من الظاهرة وخطورة انتشارها على المجتمع وسلوكياته، والإشارة إلى الأسباب التي جاءت وراء تفاقمها.

- برأيك هل هناك اهتمام رسمي نحو الحد من ظاهرة التحرش ومعاقبة الجناة؟
نعم، هناك اهتمام بمكافحة ظاهرة التحرش بكل أشكاله على المستوى الرسمي، ولاسيما عقب تكرار حوادث ما يعرف بـ«التحرش الجماعي» واهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بالقضاء على الظاهرة وتحديدًا بعد واقعة التحرش الجماعي بميدان التحرير في ٢٠١٤ بالتزامن مع الذكرى الأولى لـ٣٠ يونيو، وكذلك الحملة القومية لمكافحة التحرش، والتي تمت برعاية وزارة الشباب والرياضة، فضلا عن قرار المستشار عدلي منصور بتعديل قانون العقوبات وإضافة مواد خاصة بمعاقبة المتحرشين، وغيرها من إجراءات بالتعاون مع مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام، فضلا عن منظمات المجتمع المدني، كان نتاجها مثول مرتكبي جريمة التحرش أمام القضاء.

وكيف يمكن من وجهة نظرك مواجهة التحرش؟
توعية الفتاة أو السيدة بحقوقها القانونية عند تعرضها لحالة تحرش، ووضع خظة شاملة يتضافر جهود كافة مؤسسات الدولة المعنية إلى جانب منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، للتوعية بخطورة الظاهرة اجتماعيا وثقافيا والعمل على الحد منها وتخفيف آثارها النفسية لمن وقعت عليهم، وخلق آليات جادة لتفعيل القانون وتطبيقه.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية