رئيس التحرير
عصام كامل

زعيم المعارضة الأول


في الرابع عشر من أغسطس من عام ١٩٩٨م، كتب القدر نهاية واحد من رجال مصر المخلصين.. واحد ممن قدموا كل تاريخهم من أجل وطنه.. واحد من الضباط الأحرار اختار أن يكون في صفوف الشعب طوال تاريخه عندما ألح على الرئيس السادات أن يعيد الحياة التعددية السياسية إلى ما كانت عليه قبل ثورة يوليو، فأصبح أول زعيم للمعارضة في التجربة التعددية الثانية.


ولم يكن مصطفى كامل مراد زعيم حزب الأحرار، أحد أول ثلاثة أحزاب قامت عليهم التجربة التعددية الثانية، شخصية مطيعة للسلطة كما يتصور البعض، حيث أصدر أول صحيفة معارضة - صحيفة الأحرار، واستضاف فيها كافة رموز العمل الوطنى من الناصريين والشيوعيين والوفديين، انطلاقا من مبادئه الليبرالية التي عاش حياته دفاعا عنها وإيمانا بها فسبب له ذلك الكثير من المشكلات واصطدم بالسلطة مرات عديدة ودفع في سبيل ذلك ثمنا باهظا.

عندما أصدر مصطفى كامل مراد صحيفة الأحرار عام ١٩٧٧م، برئاسة تحرير الدكتور صلاح قبضايا، تسببت في إزعاج للسلطة بما أنتجته من مواد صحفية مثيرة خاصة عندما صدرت تحت عنوان "محاكمة ممدوح سالم رئيس الحكومة"، فكان أول عنوان يحمل من الجرأة الخروج عن النص الذي ظل مكتوبا طوال سنوات الثورة وحتى ظهور الأحرار، فأطلقوا على الأحرار “صحيفة المعارضة”.

وبسبب قوة الأحرار وصلابتها في مواجهة العجز الحكومى في ذلك الوقت، طلب الرئيس السادات من مصطفى كامل مراد إقالة صلاح قبضايا، وتعيين رئيس تحرير آخر، فتحايل مراد على طلب السادات وطلب من قبضايا إدارة الصحيفة من منزله، مع وضع اسم رئيس تحرير جديد على ترويسة الأحرار، غير أن الحيلة لم تنطل على السادات الذي عاود الاتصال بمراد طالبا إقالة قبضايا، وعندما قال له مراد: يا ريس أقلناه.. كان رد السادات: عيب يا مصطفى.. الجورنال لسه فيه روح قبضايا!!

خاض مصطفى كامل مراد معارك كثيرة، وكان أول المنادين بتعديل الدستور وتحديد مدة الرئاسة، وظل يعانى مما تفعله السلطة معه طوال سنوات، بسبب استضافته لرموز العمل السياسي، فكانت الأحرار لسان حال الوفديين قبل أن تصبح لهم صحيفة أو حزب، وكانت الأحرار لسان حال الناصريين قبل أن يصبح لهم حزب وصحيفة، وكانت الأحرار منتدى لعدد كبير من السياسيين من أمثال ممتاز نصار وضياء الدين داوود..إلخ.

حكى لى زعيم حزب الأحرار عندما سافر مع السادات إلى القدس، ووجه إليه أحد رجال الأعمال من اليهود المصريين الذين هاجروا إلى إسرائيل، دعوة على العشاء فسأل الرئيس السادات إن كان يقبل الدعوة أو يرفضها فقال له السادات: افعل أي شيء من أجل أن نستعيد أرضنا العربية كلها، وعندما سألت مصطفى كامل مراد عن سر موافقته السفر مع السادات إلى إسرائيل، قال لي: لقد عشت العسكرية وأعرف معنى الحرب وقد عانى الرئيس السادات من غطرسة العرب معنا، وعانينا من الزج بأبنائنا في حروب خضناها بدماء الشعب المصرى وقد أدرك السادات أن السلام بعد ٧٣ هو الحل لاسترداد الأرض.

وقد عانى مصطفى كامل مراد من الحصار السلطوى في أزمات كثيرة، بلغت أشدها عندما وشى زبانية النظام عام ١٩٩٦م، ودسوا بمعلومات مغلوطة في تقرير أمني بأن مراد عين رئيس تحرير ينتمى إلى الإخوان، فكاد يفقد حزبه وصحيفته لولا اتصاله بالرئيس مبارك، ودار بينهما حوار تبين منه الرئيس أن التقرير مغلوط فأعاد إليه الصحيفة والحزب.

كان مصطفى كامل مراد يؤمن بضرورة صدور صحيفة داخل كل قرية مصرية، فبلغ عدد الإصدارات الصحفية داخل حزب الأحرار أكثر من عشرين إصدارا صحفيا في فترة من الفترات، كانت هناك إصدارات متخصصة عدة من بينها: شباب الأحرار والفلاح المصري والعامل المصرى، والأسرة العربية وصوت البحيرة وصوت حلوان وجريدة العروبة، وأحرار السويس وأحرار الفيوم ولم يكن يرفض أبدا منح تيارات ليس لديها أحزاب إصدارات صحفية من داخل حزبه.

أذكر أن الصديق فريد زهران الذي يشغل الآن منصب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعى، اتصل بي طالبا مساعدته في الحصول على ترخيص لصحيفة تعبر عن تيار من اليسار المصري ليست لديه إطلالة صحفية، وكان فريد يعتقد مثلما يشاع أن مراد يؤجر الصحف، فرتبت له لقاء مع الراحل العظيم فخرج زهران وفي يده مخاطبة للمجلس الأعلى للصحافة بإصدار دون أن يدفع مليما واحدا.. خرج زهران مغرما بما دار بينه وبين مصطفى كامل مراد الذي عبر له عن ضرورة أن تكون له ولشباب مثله صحيفة يعبرون بها عن همومهم وأحلامهم حتى لو كانوا يساريين.

رحم الله مصطفى كامل مراد الذي أثرى الحياة البرلمانية والسياسية والصحفية، فعاش مثالا للوطنية والإخلاص والشفافية.
الجريدة الرسمية