رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

رفعت السعيد فيلسوف اليسار.. صفحة من تاريخ مصر


الرحيل المفاجئ للدكتور رفعت السعيد، أربكني حقيقة، كنت أنوي مواصلة الكتابة عن الفشل الذي تسير عليه وزارة النقل وتصريحات الوزير المتضاربة على مدى ثلاثة أشهر الأخيرة والتي تؤكد أن الوزير فاقد التوازن أو التركيز، وبلا أي إحساس بالوعي السياسي وبدون مراعاة للدماء التي لم تجف على قضبان الحديد، يوقع إنشاء قطار كهربائي بمليار وثلاثمائة مليون جنيها، وهذا الخط لا يخدم الملايين من المواطنين، ولكنه سيدخل الخدمة بعد عامين ونصف العام ليعمل بين العاشر من رمضان والعاصمة الإدارية!


ولكن الحق د. رفعت السعيد أثر في ثقافتي كثيرا، عرفته اسما وأستاذا كبيرا في منتصف السبعينيات، ولكن كان القدر يخبئ لى أن أقترب منه في الربع قرن الأخيرة، فهو أولا أكبر كثيرا أن نكتب عنه كلمات، فهو فيلسوف اليسار المصري، وقد أطلقت عليه هذه التسمية في السبعينيات، وأصبحت لصيقة به دائرة الأصدقاء، عندما كنت أتابع جريدة الأهالي منذ العدد الأول لها، كان عمود "صفحة من تاريخ مصر" للدكتور رفعت السعيد هي الوجبة الأجمل في الجريدة، كنت أعشق كلمات الكاتب الكبير سعد الدين وهبة الذي كان يوقع باسم أبوشادوف، ودبوس فيليب جلاب وإخبارية صلاح عيسى وغيرهم ولكن كانت كلمات باب "صفحة من تاريخ مصر" للدكتور رفعت السعيد الأقرب لنفسي، ربما لأنه يعتبر السعيد من أشد المعارضين للإسلام السياسي عامة والإخوان المجرمين خاصة وكانت معركته واضحة بلا مواربة أو نفاق، لهذا اعتبره الإخوان والجماعات المتأسلمة من أشد خصومها!

بعيدا عن الكتب الأشهر لفيلسوف اليسار المصري د. رفعت السعيد التي اشتبك بها مع التيار الذي أطلق عليه المتأسلم مثل "حسن البنا : متى؟.. كيف؟.. لماذا؟" و"ضد التأسلم" وأيضا "تاريخ الحركة الاشتراكية في مصر"، الصحافة اليسارية في مصر 1950-1952، "تأملات في الناصرية"، "عمائم ليبرالية"، "ثورة 1919 القوى الاجتماعية ودورها" قدم كتابا هو كان يعتبره من أهم ما قدم كتاب "الزعامات السياسية المصرية"، هذا الكتابة عبارة عن دراسة تاريخية علمية أدبية راقية، كتاب مختلف عن كل كتبه، ولا أنسى عندما أهدى لي نسخة قبل أن ينزل الأسواق قال لى مبتسما: كتاب وادعيلى.. أحسن كتبى بين يديك!

بعد المقدمة الراقية قدم الفصل الأول ليفاجئ القارئ "الشقيقان: مصطفى كامل ومحمد فريد.. توءمان أم نقيضان!؟ ورؤية جديدة وجديرة بالتأمل لزعيمين نالا مكانة في تاريخنا الوطنى مساحة هما جديران بها! والفصل الثاني عن زعامة لا تتكرر ويقصد سعد زغلول، ولكن ستفاجأ بمحمد محمود رئيس الوزراء الأسبق الذي أطلق عليه الليبرالية المستبدة، ويطرح سؤالا عن أحمد ماهر.. طموح الزعامة أم جناية الشقيق على شقيقه؟ المعروف أن أحمد ماهر شقيق للرجل التاريخي الذي عمل مع الملك فؤاد والملك فاروق وثوار 23 يوليو، كما أنه لم يتجاهل حسن البنا وكشف أسرارا مع الإنجليز وملاعيب الإخوان، ولم ينس الزعيم أحمد حسين وأطلق عليه البرجوازي الصغير في أرجوحة السياسة، وكشفه أن المؤسس الحقيقي لمصر الفتاة هو الزعيم مصطفى الوكيل! أعتقد أن هذا الكتاب يجب أن يدرس للشباب للتعرف على تاريخهم برؤية سياسية وليست مجرد "رص كلام".

في 2001 وفي لقاء خاص قال: قناة الجزيرة مثل علبة الكبريت وأنا شخصيا أتشكك في نواياها وتمويلها ولكنها كاشفة، ونحن لدينا 600 ساعة إرسال ولا أجد الأخبار إلا على "الجزيرة المريبة والسى سى إن".

الغريب ما قاله د. رفعت السعيد من أكثر من ستة عشر سنة لا يزال يحدث بشكل أو بآخر، بالرغم من شك د.السعيد بعمالة الجزيرة تأكد للجميع.. ولكن لا حياة لمن تنادى!

ورحل د. رفعت السعيد في هدوء، لم يشكُ مرضا، لم يحتل العناوين لإنقاذ حياته المهددة بسبب عدم اهتمام الدولة بأحد رموزها، ورحمة من الله أنه تركنا دون أن يكون عبئا إعلاميا على أحد، ولم يسكن المستشفى ويذهب من يريد "المنظرة"، ولا يذهب من وكما أكد الكاتب الصحفى القريب جدا للراحل أنه فوجأ بالخبر لأنه لم يشكُ مرضا في الفترة الأخيرة.. رحم الله فيلسوف اليسار المصري!
Advertisements
الجريدة الرسمية