رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أحمد الباسوسي أستاذ علم النفس: ليس صحيحا أن عصر ما قبل ثورة يوليو كان فسادا وانحلالا

فيتو


  • نظام ثورة يوليو 1952 قام بأكبر حملة لتشويه الحقبة السابقة

  • هناك كتب مدرسية حرفت الحقبة الملكية الليبرالية بمنتهى الفجور السياسي

  • أول حادثة تحايل للاستيلاء على عرش الملك تمت في عهد سنوسرت الأول

  • المواطن الناضج يستخدم عقله في فلترة كل مايسمع للوصول للحقيقة المؤكدة


قال الدكتور أحمد الباسوسى أستاذ علم النفس الاجتماعى إن تزييف وقائع التاريخ عادة مصرية قديمة، وأشار في حوار مع “فيتو” إلى أن عمليات التحريف لعبت دورًا أساسيًا في السياسة منذ أزمنة بعيدة سواء بهدف الاستيلاء غير المشروع على السلطة أو إيهام الجماهير أن العصور السالفة كان يسودها الظلم والانحلال الأخلاقي.. وإلى نص الحوار:

* في البداية.. ما التحليل النفسى للتزوير من وجهة نظرك؟
كلمة تزوير تعنى معجميا التزييف أو التلفيق، ويقال تزيين الكذب، أو تزوير الكلام أي الكذب فيه، كما يعنى الميل أو الانحراف عن طريق الصواب، ومن منظور التحليل النفسى يعتبر تزييف التاريخ من ميكانزمات الدفاع النفسية التي تلجأ إليها النفس البشرية، من أجل الحفاظ على كيانها من الاضطرابات والقلق، وتحسين أو تجميل صورتها في الواقع وفى مواجهة الآخرين بهدف تخفيض التوترات النفسية الداخلية القاسية، وكذلك من أجل الحفاظ على صورة الذات الخاصة بالشخص سواء لدى نفسه أو أمام الآخرين.

والتزوير بمعناه الإجرائي يتمثل في محاولة الشخص تزييف أو تزوير أو اختلاق واقع جديد يختلف عن واقعه الشخصي الأصلي من أجل الحصول على فائدة أو منفعة مادية كانت أو معنوية.

* ما الدوافع النفسية للجوء للتزييف؟
عمليات التزوير لعبت دورًا أساسيًا في السياسة منذ أزمنة بعيدة سواء بهدف الاستيلاء غير المشروع على السلطة أو إيهام الجماهير أن العصور السالفة كان يسودها الظلم والانحلال الأخلاقى والقيمى وأن العصر الحالي عصر الحرية والعدالة والرخاء والازدهار والقوة.

استخدام التاريخ وتوظيفه في السياسة كشف حجم التحايل والشغف بالتزوير الخاص بالحكام غير الشرعيين، مستعينين في ذلك بمعاونيهم المنافقين من الكهنة والمفكرين والمثقفين الذين يعتبرهم الناس نخبة أو صفوة المجتمع، وهؤلاء يتحملون الوزر كله لأنهم على مدى العصور والأزمنة ساعدوا الحكام غير الشرعيين في الاستيلاء على السلطة عن طريق تزوير التاريخ وتزييف وعي الجماهير وخلق واقع سياسي واجتماعي زائف يستخدمه الحاكم غير الشرعي من أجل سرقة الحكم، بدلا من مقاومة الحاكم الذي يحاول أن يزيف ويشوه الواقع والناس ويسرق ما ليس من حقه سواء من عرش أو سلطة.

* ما أول عملية تزييف أثرت في الشعب المصري؟
يذكر المؤرخ سليم حسن في موسوعته العظيمة مصر القديمة في جزئها الخامس أن أول استخدام للتزوير عن طريق المحو أو طمس الأدلة التاريخية كان ملوك الأسرة الخامسة، حيث تم رصد أول حادثة تحايل للاستيلاء على عرش الملك بغير حق شرعي.

ويعتبر ملوك الأسرة الخامسة أول من استخدموا أسلوب التحايل هذا عن طريق الطمس أو محو دلائل أحقية آخرين بحكم مصر، وفى عهد سنوسرت الأول شاعت وتنوعت هذه الأساليب، كما في حالات حتشبسوت والملك تحتمس الثالث، ثم الملك تحتمس الرابع أحد أبناء الملك أمنحتب الثاني الذي محا أسماء إخوانه الأحق بالحكم منه مدعيا أن أبو الهول وعده بحكم مصر إن قام بتنظيف المنطقة حوله.

* مرت عملية التزييف بأكثر من مرحلة حتى وصلت لذروتها في في ثورة يوليو، ما تحليلك النفسي لازدهار الجريمة؟
تزوير التاريخ للأسف عادة مصرية قديمة لها جذورها الضاربة في التاريخ، لذلك لم نتعجب حينما قام نظام ثورة يوليو 1952 بأكبر حملة لتغيير وقائع التاريخ الخاص بالحقبة السابقة التي انقلب عليها، والمدهش أكثر أن الضباط الشبان الذين قادوا الثورة لم يكونوا هم وحدهم من زيف وحرف تاريخ العصر الملكى السابق للثورة، بل نافسهم في تلك الفعلة مثقفون وكتاب وأصحاب رأي وفكر، الذين سهلوا مهمة تزييف وعى التلاميذ عن طريق كتب مدرسية حرفت تاريخ مصر في تلك الحقبة الملكية الليبرالية بمنتهى الحماقة والفجور السياسي.

ونجحت بالفعل عملية التزييف في الوصول لمرادها، وأقنعت الشعب المصرى بأهدافها، وجاءت بمردود أقوى مما كانت تتطلع إليه، وخاصة أنها استخدمت كافة الوسائل التي لها تأثير قوى على النفس البشرية، إلى أن تطورت ووصلت إلى ذروتها في ثورة 23 يوليو 1952.

* ما أكثر الوسائل التي نجحت في إقناع الأجيال القادمة بالتاريخ المزيف؟
تزييف وعى الجماهير العريضة تم أكثر من خلال الإذاعة والتليفزيون والصحف التي أصبحت مملوكة للضباط وأعوانهم من المثقفين وأصحاب الرأى وإيهام الناس بأن الحياة في مصر كانت فاسدة، وأن الأحزاب شر عظيم ولا يجوز أن تنشأ في مصر أحزاب على الإطلاق، وأن المنادين بالديمقراطية شياطين وأعداء الثورة ويجب أن يظلوا في السجون.

وكذلك الدراما التليفزيونية، وجميعنا لا ينسى أبدا وهو يطالع الأفلام المصرية القديمة التي تم إنتاجها قبل يوليو 1952 كيف كان مسئولو التليفزيون وقتها يحاولون إخفاء صورة الملك فاروق التي كانت تظهر في الخلفية أحيانا بطريقة عبثية مقززة تكشف عن غباء غير محتمل ونفاق باهت من مسئولين بلا ضمير ولا فكر ولا فن ولا إدارة، يفعلون ذلك مثلما فعل أسلافهم القدماء بداية من الأسرة الخامسة المصرية القديمة وما تلاها.

وأيضا تشكل وعى الطلاب في المدارس والجامعات عن طريق الكتب المدرسية والجامعية على أساس أن الحياة في العصر الملكى كانت كلها فسادا وانحلالا وفوضى وأن الحياة الحقيقية في مصر بدأت مع فجر يوليو 1952، وأن التاريخ بدأ فقط منذ ثورة يوليو وما عدا ذلك كان فشلا وإخفاقا وفوضى وفسادا.

* ما المردود النفسي والاجتماعي لتزييف التاريخ على الطلاب؟
تزييف الوعي والعيش على حقائق مزيفة قائمة على أوهام أمر ليس سهلا، تترتب عليها تكون اتجاهات نفسية خاطئة، وكذلك اتخاذ قرارات غير صائبة، بناءً على فقر في المعلومات والأفكار، عندما يكتشف المواطن الأمر عند الكبر يجد نفسه أمام 3 خيارات، أحدها أن يظل مؤمنا بما تعلمه ويتخذ قرارات من خلالها، وآخر يصاب باضطراب ونقص ثقة في المعلومات التي تعلمها، فيلجأ لوسائل أخرى في الغالب يكون مروجها من ضحايا التزييف السابق فتحاول أن تحسن صورته بنشر أفكار أكثر تطرفا، ومن هنا ينقلب الأمر أكثر سوءا بتكون معلومات أكثر تزييفا إلى جانب فقدان الثقة والإصابة بارتباك فكري.

أما النوع الثالث فهو المواطن الناضج الذي يستخدم عقله في فلترة كل ذلك للوصول للحقيقة المؤكدة بنفسه.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..

Advertisements
الجريدة الرسمية