رئيس التحرير
عصام كامل

سلفيون ورب الكعبة!


كتبنا بالأمس مقالا عن إجراءات دينية اجتماعية تتم في تونس.. فكرة المقال الأساسية تقول إن ما يجري هناك شأن داخلي لا يصح تدخلنا فيه، وإن لتونس شعبها العظيم المثقف الواعي المتحضر وما يصدر هناك يخصه وحده، ولا أحد غيره، وأن له من المؤسسات النيابية والصحف والجمعيات ما يكفي للتعبير عن نفسه، وأعدنا التحذير من مخطط لإفساد العلاقة بين الشعب العربي في كل مكان، من خلال لجان إلكترونية خبيثة وشريرة بعضها يعمل مع الموساد مباشرة، ينتحلون صفة مصريين ويهاجمون التوانسة وينتحلون صفة سوريين ويهاجمون مصر وهكذا.. ثم يبدأ الرد من هذه الشعوب دفاعا عن نفسها، وهكذا تشتعل المشكلات بين الشعب العربي، رغم أن التونسيين من أكثر الشعوب العربية حبا في المصريين، وإفساد العلاقة هدف في ذاته!!


لم نتدخل على الإطلاق في مضمون الفتوي ولا في صلب القرارات هناك ولم نناقشها حتى من زاوية دينية، باعتبارها آراء مطروحة منذ زمن ودون التدخل في الشأن التونسي ومع ذلك.. ورغم ذلك.. جاءت بعض التعليقات-بعضها لأن الأغلبية كانت تعليقاتها جيدة جدا- تسألني هل معني ذلك أنني أوافق على ما جري هناك!! وأخري تقول إن ذلك يعني أنني سأوافق عليها إن طبقت في مصر!! وثالثه تقول إن هذا ليس شأنا تونسيا إنما هذا الإسلام وعلينا أن ندافع عنه!

لهؤلاء نقول: المعترض عليه التفضل وبمهاجمة التوانسة كما يحب أو يجهز الجيوش للقتال دفاعا عن الإسلام، وهنا سيقول بعضهم: لم نقصد ذلك.. إنما نقصد أن الاجتهادات خاطئة.. وهنا نقول : خاطئة أو صحيحة هل طلب أحد إلزامك بها؟ سيقولون لا.. وهنا نقول : أمال أنت عايز إيه ؟ وهكذا سندور في دائرة مفرغة.. بينما اتهم آخرون كل ما يجري بالمؤامرة على الإسلام! الذي يجري تدميره كل يوم!! وأن المؤامرة على الإسلام كونية تستهدف أصوله وثوابته!

وهؤلاء لو وضعت يدك على أسمائهم وصورهم لتخيلنا أن المتحدث هو برهامي أو الحويني أو أحد قادة الإخوان وكل من أشاعوا خطابا تسبب ـ من صدق الكثيرين وحسن نياتهم ـ في انضمام الكثيرين للحركة الإسلامية، اعتقادا منهم أنهم ينقذون دينهم المستهدف.. رغم أن استهداف الإسلام يتم إصلا بمحاولات إبقاء المنتمين إليه في دوائر فك الربط وإبطال السحر وجلب الغائب واستخراج العفاريت وحفلات الزار وكراهية الآخر واحتقار المرأة والغلظة في التعامل واللامبالاة وعدم احترام قيمة العمل وكل مظاهر الدجل والشعوذة والتخلف والجهل والعنف.. وهؤلاء هم السبب في إبقاء الإسلام وأهله في هذه الدائرة، لأنهم أول من يرمون بالحجارة أي شخص يحاول ـ مجرد يحاول ـ أن يفكر ويقدم حلولا فقهية عصرية تقدم إجابات حقيقية عن أسئلة جادة..

وبينما الكثيرون لا يجدونها لذلك تزايدت نسب الإلحاد!!.. ولهؤلاء وبعيدا عن صحة أو خطأ إجراءات تونس.. فلن نناقشها هنا.. وإنما نذكرهم بما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في نصيب "المؤلفة قلوبهم" وفيهم نص قطعي وثابت في القرآن.. وكان لهؤلاء نصيب من الزكاة لتأليف قلوبهم للإسلام.. وفي عهد عمر بلغت الفتوحات ما بلغت.. فأوقف نصيبهم لأن الإسلام لم يعد ضعيفا.. وهنا.. ماذا نصف اجتهاد عمر؟ رغم أن النص واضح ولا يحمل أي لبس ولا أي احتمالات ولا أي تأويلات؟.. لكنه فهم روح النص.. وهو ما فعله في عام المجاعة ونص قطع يد السارق صريح وقطعي وليس فيه أي ظروف أو احتمالات أو تأويلات.. لكنه أيضا فهم روح النص..

وعندما فتح العراق.. لم يوزع أرضه على الفاتحين رغم وجود نص قرآني واضح أيضا وصريح وقطعي ولا يحتمل أي تأويل عن تقسيم الغنائم على الجنود والمقاتلين.. ولكنه قال إنها ستبقي لعامة المسلمين وأجيالهم القادمة.. وغضب كبار الصحابة.. لكنه انحاز للمصلحة ثم وافقوه.. وهكذا تعددت اجتهادات عمر حتى في الزواج والطلاق وبناء الأسر.. ما رأيكم الآن أن عمر هذا لا ينتظر رأيكم فيما فعل.. لأن رأي من هو خير منكم كفي ووفي. فهو من قال عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام "لو كان نبيا بعدي لكان عمر" وعنه قال عليه الصلاة والسلام "جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه"!

ولذا نحن نعود للخلف.. حتى إن بعضهم تحجج بأن الأزهر أكبر مرجعية سنية.. دون إدراك الفرق بين المرجعية وبين الوصاية . وبين المرجع والوصي.. ولذا كان قبل سنوات عنوان كتاب المفكر الماليزي قاسم أحمد هو "التقدم إلى الإسلام" وليس "العودة إلى الإسلام" لأن الإسلام يسبقنا فعلا ومتقدم عن عقول أتباعه!

يا عزيزي.. أنت سلفي.. متطرف.. دون أن تشعر.. فمن عاشر القوم كذا كذا صار منهم.. يا عزيزي أغلبكم سلفيون متطرفون ولا تشعرون.. ورب الكعبة!

ملحوظة: لم نناقش فتاوي تونس.. وربما لن نناقشها.. لكننا نذكركم بما جري قبل 1400 عام وأكثر.. وكيف كان التسامح وكيف كان باب الاجتهاد واسعا وكيف كان أدب الاختلاف!! ومن من ومع من ؟ من ومع أمير المؤمنين وكبار الصحابة !! وطبعا ليس الأمر للمقارنة.. وإنما لضرب المثل والتذكير بما كان وبمن كانوا ـ رضي الله عنهم جميعا ـ فالذكري تنفع المؤمنين!ّ

الجريدة الرسمية